العمل من أجل المنفعة العامة كعقوبة بديلة في القانون الجنائي المغربي

العمل من أجل المنفعة العامة كعقوبة بديلة في القانون الجنائي المغربي

في السنوات الأخيرة، اتجهت السياسة الجنائية المغربية، بموجب القانون 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، على غرار العديد من الأنظمة القانونية الحديثة، نحو تبني العقوبات البديلة كحل إنساني وعملي للحد من العقوبات السالبة للحرية، خاصة في القضايا البسيطة، والغاية من هذا التوجه ليست فقط تقليص عدد المحكوم عليهم بالسجن، بل كذلك ضمان إعادة إدماجهم في المجتمع، وتحقيق توازن بين الردع والإصلاح.

ومن أبرز صور هذه العقوبات البديلة التي جاء بها القانون الجنائي المغربي: عقوبة العمل من أجل المنفعة العامة، التي سنخصص لها هذا المقال نظراً لأهميتها وخصوصية شروطها وآثارها.

ما المقصود بالعمل من أجل المنفعة العامة؟

عقوبة العمل من أجل المنفعة العامة تعني إلزام المحكوم عليه بأداء عمل غير مؤدى عنه (أي دون مقابل مادي)، لفائدة مؤسسات أو هيئات عامة أو خيرية، خلال مدة زمنية محددة تُحتسب بالساعات.

وحسب الفصل 35-5 من القانون الجنائي المغربي، يمكن للمحكمة أن تحكم بعقوبة العمل من أجل المنفعة العامة بدلاً من العقوبة السالبة للحرية، بشرط أن يكون المحكوم عليه قد بلغ خمسة عشر (15) سنة على الأقل عند صدور الحكم. وتشترط هذه الإمكانية أن يكون الفعل المرتكب جنحة لا تتجاوز العقوبة المقررة لها خمس سنوات حبسًا، كما يشترط ألا يكون المحكوم عليه في حالة العود.

كما أنه لا يحكم بها في الجنح المتعلقة بالجرائم التالية :

  • الجرائم المتعلقة بأمن الدولة ولإرهاب.
  • الإختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أوتبديد الأموال العمومية.
  • غسل الأموال.
  • الجرائم العسكرية.
  • الإتجار الدولي في المخدرات.
  • الإتجار في المؤثرات العقلية.
  • الإتجار في الأعضاء البشرية.
  • الإستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.

مدة العمل وحدوده

نص الفصل 35-6 على أن عقوبة العمل من أجل المنفعة العامة تتراوح بين 40 ساعة و3600 ساعة، وأن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها يساوي 3 ساعات من العمل لأجل المنفعة العامة، مما يتيح للمحكوم عليه إمكانية مواصلة حياته المهنية أو الدراسية دون انقطاع كامل، ويمثل ذلك نقطة قوة في هذا النوع من العقوبات، إذ إنه لا يعزل المحكوم عليه عن المجتمع، بل يجعله يشارك فيه بشكل إيجابي، مع الحفاظ على التزاماته الأسرية والاجتماعية.

ويجب حسب الفصل 35-7 أن يتم تنفيذ العقوبة داخل أجل لا يتعدى 6 أشهر، ويمكن تمديد هذا الأجل لمرة واحدة بقرار صادر عن قاضي تنفيذ العقوبات، بناء على طلب مبرر من المحكوم عليه أو من دفاعه أو ممن له مصلحة في ذلك.

طبيعة المؤسسات التي تستفيد من العمل

وفق للفصل 35-6 ، يُنجز العمل لفائدة:

  • مصالح الدولة أو الجماعات الترابية,
  • أو مؤسسات أو هيئات حماية الحقوق و الحريات والحكامة الجيدة.
  • أو المؤسسات العمومية أو المؤسسات الخيرية أو دور العبادة،.
  • أو غيرها من المؤسسات أو الجمعيات أو المنظمات غير الحكمية العاملة لفائدة الصالح العام .

وهذا التنوع في المؤسسات يعكس مرونة النظام، وإمكانية تكييفه مع الواقع الاجتماعي المغربي، خاصة في المجالات التي تحتاج إلى دعم بشري إضافي، كالصحة والتعليم والنظافة البيئية.

ضمانات وشروط تنفيذ العقوبة

لضمان حماية كرامة المحكوم عليه وحقوقه، وضع القانون مجموعة من الشروط المهمة، منها:

أن لا يكون العمل خطيراً أو مهيناً أو يضر بصحة أو سلامة الشخص.

أن يتم العمل تحت إشراف ومتابعة دقيقة من طرف الجهات المختصة.

ضرورة إعلام المحكوم عليه بكافة الشروط قبل التنفيذ، وموافقته المسبقة.

كما يمكن للمحكمة أن تُحدد عدد ساعات العمل مع مراعاة الظروف الشخصية للمحكوم عليه (مثل الدراسة أو العمل أو الوضع الصحي).

رفض التنفيذ أو الانسحاب من عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة

إذا رفض المحكوم عليه تنفيذ العقوبة أو انسحب منها دون مبرر مشروع، فإن القانون يسمح للمحكمة بإعادة تحويل عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة إلى العقوبة السالبة للحرية المنصوص عليها أصلاً في القانون الجنائي.

وهذا ما يمنح العقوبة البديلة طابعًا اختياريًا من جهة، لكنه في ذات الوقت يُحمّل المحكوم عليه مسؤولية الالتزام بتنفيذ ما وافق عليه، ويمنع استغلال هذه العقوبة كوسيلة للتهرب من السجن فقط.

أهمية هذه العقوبة في الواقع المغربي

إن اعتماد عقوبة العمل من أجل المنفعة العامة يُحقق عدة أهداف استراتيجية، من أبرزها:

  • تقليص الاكتظاظ في السجون، خاصة في قضايا بسيطة أو لأول مرة.
  • إعادة إدماج الجانحين في المجتمع بطريقة إيجابية.
  • تحقيق العدالة التصالحية وتعزيز الشعور بالمسؤولية الفردية.
  • خفض التكلفة الاقتصادية على الدولة المرتبطة بالإيواء والتغذية والرعاية داخل السجون.
  • دعم المرافق العمومية والمؤسسات ذات الطابع الاجتماعي التي تعاني نقصاً في الموارد البشرية.

تحديات التطبيق وسبل تجاوزها

رغم الإيجابيات العديدة، إلا أن التطبيق العملي لعقوبة العمل من أجل المنفعة العامة يواجه بعض التحديات، مثل:

  • قلة المؤسسات المؤهلة لاستقبال المحكوم عليهم.
  • ضعف التنسيق بين القضاء والجهات التنفيذية.
  • غياب التكوين المتخصص للقائمين على مراقبة التنفيذ.
  • ضعف الوعي المجتمعي بأهمية هذه العقوبات وأثرها الإصلاحي.

ومن الحلول المقترحة:

  • إعداد دليل إجرائي وطني موحد لتطبيق العقوبات البديلة.
  • توفير تكوين مستمر للقضاة والنيابات العامة حول فلسفة وآليات التنفيذ.
  • تخصيص ميزانيات محلية لدعم المؤسسات المستقبلة لهؤلاء الأشخاص.
  • إطلاق حملات تحسيسية لفائدة المواطنين حول فعالية هذه العقوبات.

خلاصة

لقد شكّلت عقوبة العمل من أجل المنفعة العامة خطوة مهمة في تطوير القانون الجنائي المغربي، وجعلته أكثر إنسانية وواقعية. فهي ليست فقط بديلاً عن السجن، بل أداة لإصلاح سلوك المحكوم عليه، وإعادة إدماجه في الحياة المجتمعية، دون تهميش أو وصم.

ولتحقيق أهدافها الكاملة، لابد من مواصلة تطوير الإطار التنظيمي والتقني لتنفيذها، وضمان الانخراط الفعلي لجميع المتدخلين: من قضاة، محامين، ونيابة عامة، ومؤسسات عمومية، ومجتمع مدني.

ملاحظة مهمة :

من أجل التوصل بجديد المواضيع، مباشرة على البريدك الإلكتروني الخاص بك فور وضعها على الموقع، يمكنك وضع بريدك الإلكتروني في النشرة البريدية أسفل الصفحة.

مرحبا بكل مشاركاتكم و استفساراتكم على الموقع، لا تترددو في التواصل معنا .

شاهد أيضاً

القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة

القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة – تحميل بصيغة PDF

نضع لكم القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، والذي تم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 22 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *