تم تنظيم قضاء القرب في التشريع المغربي بموجب القانون رقم 42.10، و سنتطرق في هذه المقالة لتأليف أقسام قضاء القرب، والقضايا التي يختص فيها بموجب القانون، لنتهي في الأخير إلى المسطرة المتبعة أمامه.
تأليف قضاء القرب
تنص المادة الثانية من القانون رقم 42.10 على أنه تتألف أقسام قضاء القرب من قاض أو أكثر وأعوان لكتابة الضبط أو الكتابة.
قضاة أقسام قضاء القرب ينتمون بطبيعة الحال إلى السلك القضائي، الذي يتألف من قضاة الأحكام، وقضاة النيابة العامة بمحكمة النقض ومحاكم الموضوع إلى جانب القضاة الذين يمارسون مهامهم بالإدارة المركزية بوزارة العدل، و اللذين يعينون من بين الملحقين القضائيين الذين اجتازوا بنجاح مباراة نهاية التدريب.
ومن بين الشروط التي يجب أن تتوفر في القاضي هي أنيكون ذا جنسية مغربية وأن يكون متمتعا بحقوقه الوطنية وذا مروؤة وسلوك حسن وأن يكون بالغا من العمر إحدى وعشرين سنة ، وأن يكون حاصلا على الشهادة العلمية التي يشترطها الفصل الخامس من النظام الأساسي لرجال القضاء، وبعد نجاح المرشح في مباراة الملحقين القضائيين يعين ملحقا قضائيا بقرار لوزير العدل…، هذا خلافا للقانون المنظم لمحاكم الجماعات والمقاطعات الملغاة التي كان يبث في القضايا المعروضة أمامها حكاما منتخبين لا ينتمون إلى الهيئة القضائية أغلبهم غير متوفرين على الكفاءة القانونية والعلمية للبث في المنازعات لعدة أسباب أهمها عدم تكوينهم أو تدريبهم قبل ممارستهم لمهامهم، مما انعكاس سلبي على حقوق الأفراد وإن كان المبلغ الذي يبث فيه حاكم الجماعة والمقاطعة زهيدا.
أما فيما يتعلق بأعوان كتابة الضبط، فهم يقومون بدور مهم في توجيه المتقاضينفي قضاء القرب، فهم يوجهون المتقاضين إلى هذا النوع من القضاء شرط توافر الشروط الشكلية والموضوعية، لكون أن أغلب المتقاضين يجهلون وجود هذا النوع من القضاء خصوصا وأن مسطرته شفوية ويستغنون عن توكيل محام للدفاع عنهم.
وكغيرها من الدعاوى، فالدعاوى المقدمة إلى قسم قضاء القرب يحرر بشأنها محضر من طرف كاتب الضبط عند تقديم المدعي بتصريح شفوي طبقا للمادة 11 من القانون المنظم لأقسام قضاء القرب و المادة 31 من ق.م.م.
اعتماد المسطرة الشفوية في هذا النوع من القضاء، يزيد من الأعباء الملقاة على عاتق أعوان كتابة الضبط خصوصا أن حضور كاتب الضبط لم يعد إجباريا فقط في الحالات التي توجه فيها الدعوى إلى المحاكم الابتدائية بل أصبح بموجب القانون الجديد تواجده إجباريا حتى في مراكز القضاة المقيمين الذين يوجدون غالبا في المناطق الحضرية الصغرى المجاورة للمدن الكبرى.
إختصاصات قضاء القرب
يمكن تقسيم الاختصاص إلى اختصاص في القضايا المدنية، و في القضايا الزجرية
1-الاختصاص في المادة المدنية:
تختص أقسام قضاء القرب في المادة المدنية بمقتضى المادة 10 من القانون رقم 42.10 حيث تم نص على أنه “يختص قاضي القرب بالنظر في الدعاوي الشخصية والمنقولة التي لا تتجاوز قيمتها 5000 درهم ولا يختص في النزاعات المتعلقة بمدونة الأسرة والعقار والقضايا الاجتماعية والإفراغات”.
من خلال هذه المادة أعلاه يتبين أن قضاء القرب يختص في االقضايا التالية:
– الدعاوى الشخصية :
هي تلك الدعاوى التي يكون موضوعها المطالبة بحق شخصي وكما هو معلوم فالحق الشخصي أو الالتزام من المسائل التي تختص بها أقسام قضاء القرب أيا كان مصدرها، بشرط ألا تتجاوز قيمة الحق المطالب به خمسة آلاف درهم ويستفاد من هذه المادة أن أقسام قضاء القرب لا يسوغ لها أن تنظر في الدعاوى التي يكون محلها حقا عينيا أيا كانت قيمة النزاع فيها.
إضافة إلى ما سبق، فالمشرع كان واضحا في منع أقسام قضاء القرب من البت في النزاعات المتعلقة بمدونة الأسرة ولو كانت ذات طبيعة منقولة، نفس الأمر ينطبق على القضايا الاجتماعية والإفراغات.
– الدعاوى المنقولة :
اهي تلك لدعاوى التي تنصب على المنقولات دون العقارات، والمنقول كما هو متعارف عليه ما تسمح طبيعته بأن ينقل من مكان لآخر دون أن يحدث أي تغيير في هيأته، غير أن اختصاص قضاء القرب بالنظر في الدعاوى المنقولة متوقف على قيمة النزاع الذي يجب أن لا يتجاوز 5000 درهم كما أشرنا سابقا، وبديهي أن أقسام قضاء القرب ممنوعة من النظر في الدعوى التي يكون محلها عقارا سواء بطبيعته أو بالتخصيص وبصرف النظر عن قيمته.
و لا بد من الإشارة أن في حالة المدعي للاستفادة من مزايا قانون قضاء القرب بتجزئة مستحقاته لا يقبل منه إلا المطالب الأولية .
2-الاختصاص في القضايا الزجرية
تنص المادة 14 من قانون قضاء القرب على أنه “يختص قاضي القرب بالبث في المخالفات المرتكبة من طرف الرشداء المنصوص عليها في المواد الموالية، ما لم يكن لها وصف أشد إذا ارتكبت داخل الدائرة التي يقيم بها المقترف”.
وبالرجوع إلى المواد 15،16،17،18 من القانون المذكور أعلاه يمكن القول أن المشرع يميز بين ثلاثة أنواع من الجرائم، النوع الأول يضم المخالفات التي تكون فيها العقوبة متراوحة بين 200 و 500 درهم والثاني يتعلق بالمخالفات المعاقب عليها بغرامة تتراوح بين 300 و 700 درهم والثالث ويشمل المخالفات التي عاقب المشرع على ارتكابها بغرامة تتراوح بين 500 و 1000 درهم إضافة إلى بعض المخالفات المعاقب عليها بغرامة من 800 إلى 1200 درهم.
ولا بد أن نشير في هذه النقطة إلى أن المادة 14 المشار إليها أعلاه ربطت الاختصاص النوعي لأقسام قضاء القرب ببعض الشروط منها على وجه الخصوص أن يكون مرتكب المخالفة راشدا وهو الأمر الذي يستبعد المساطر الخاصة بالأحداث التي كان اختصاصها ينصب على مرتكب المخالفة سواء كان راشدا أو حدثا ما لم يكن للمخالفة وصف أشد لأنها ستصبح والحالة هذه من اختصاص هيئات قضائية أخرى.
المسطرة أمام قضاء القرب
تتميز المسطرة أمام قضاء القرب بمجموعة من الخصوصيات أهمها :
-الشفوية: استنادا لبساطة القضايا التي تختص فيها أقسام قضاء القرب والتي لا تتطلب إجراءات قضائية تتسم بالتعقيد من أجل البث فيها، فالمشرع نص في المادة 6 من القانون رقم 42.10 على أن المسطرة أمامها تكون شفوية، ما معناه أن الأطرافيعفون من تقديم دفوعاتهم بواسطة مقالات أو مذكرات بحيث يقدم المقال كتابة أو شفاهة وفي هذه الحالة يقوم كاتب الضبط على بتحرير محضر يضمن فيه تصريحات المدعي والأسباب المثارة، و نضيف أن الشفوية لا تشمل فقط على مرحلة رفع المقال بل تمتد كذلك كافة مراحل الدعوى.
-العلنية تعقد أقسام قضاء القرب جلساتها علنية بقاض منفرد وبمساعدة كاتب الضبط ودون حضور النيابة العامة وتصدر أحكامها باسم جلالة الملك وطبقا للقانون، وتضمن في سجل خاص بذلك وتذييل بالصيغة التنفيذية، فبموجب المادة 7 من قانون 42.10 المحدث لقضاء القرب فجميع القضايا التي تبث فيها أقسام هذا الأخير تكون الجلسات فيها علنية يحضرها الجمهور ولا ممكتن للسرية مادام أنها لا تعلو أن تكون سوى قضايا اجتماعية بسيطة.
-المجانية: بموجب المادة 7 من القانون 42.10 المتعلق بقضاء القرب فالمسطرة أمام هذا النوع من القضاء معفاة من جميع الرسوم القضائية، ما يسمح لكل متضرر ولكل ذي مصلحة باللجوء إلى هذه الأقسام للمطالبة بحقوقهم دون قيود مالية.
وتشمل مصاريف الدعوى الرسوم القضائية وأتعاب الخبراء والتراجم ومصاريف المعاينات والتنقل إذا كان ضروريا وتنص على بعض هذه المصاريف مقتضيات الفصول 126 إلى 129 من قانون المسطرة المدنية، و الإعفاء منصوص عليه تشريعيا ولا حاجة لتقديم طلب بشأنه. على عكس المسطرة أمام المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف التي يؤدي فيها مصاريف الدعوى وجميع الرسوم القانونية، ما لم يكن المتقاضي معفيا بمقتضى المساعدة القضائية التي تمنح بناءا على طلب يتعين أن يقدمه مرفقا بما يثبت عوزه أو حاجاته إلى النيابة العامة التي ترفع الطلب بدورها إلى مكتب المساعدة القضائية المختص الذي يبث وفق الطلب أو ضده.
-البساطة و السرعة : بموجب المادة الثانية من القانون رقم 42.10 التي تمت الإشارة غليها سابقا فالمحكمة تتألف من قاض أو أكثر على أن انعقاد الجلسات يكون بقاض منفرد”…….تعقد الجلسات بقاض منفرد وبمساعدة كاتب الضبط و بدون حضور النيابة العامة…..” وهذا المبدأ له أهمية كبيرة في تحقيق خاصيتي البساطة والسرعة، فعادة ما تكون القضايا التي تبث فيها المحاكم بقاض فرد بسيطة ولا تحتاج إلى إجراءات معقدة، إضافة إلى أنه يساعد هذاعلى السرعة في البث في القضايا من جهة والسرعة في تنفيذها من جهة أخرى؛ إذ لا تتجاوز الآجال التي يمنحها المشرع بضعة أيام لا سيما إذا حضر الأطراف وقت النطق بالحكم، وهذا على خلاف تنفيذ الأحكام الابتدائية والقرارات الإستئنافية التي تحتاج أحيانا إلى سنوات.
إضافة إلى أن المشرع وخلافا للشكليات الدقيقة والبيانات الإلزامية التي فرضها بالنسبة للأحكام الابتدائية (الفصل 50 من ق.م.م) والقرارات الإستئنافية (الفصل 345 من ق.م.م) وقرارات محكمة النقض (الفصل 375 من ق.م.م) لم يستوجب إلا صدورها باسم جلالة الملك وتذييلها بالصيغة التنفيذية يفيد خاصية البساطة والسرعة التي تتميز بها أحكام أقسام قضاء القرب.
ملاحظة مهمة :
من أجل التوصل بجديد المواضيع، مباشرة على البريدك الإلكتروني الخاص بك فور وضعها على الموقع، يمكنك وضع بريدك الإلكتروني في النشرة البريدية أسفل الصفحة.
مرحبا بكل مشاركاتكم و استفساراتكم على الموقع، لا تترددو في التواصل معنا .
شكرا جزيلا
على الرحب و السعة