تُعد العقوبات البديلة من أبرز مظاهر التحديث في السياسة الجنائية الحديثة، حيث تتجه العديد من التشريعات إلى تبني هذا النوع من العقوبات كوسيلة فعالة للحد من مشاكل الاكتظاظ السجني، وتحقيق العدالة التصالحية، وإعادة إدماج الجانحين في المجتمع، والمغرب بدوره خطى خطوة مهمة في هذا الاتجاه من خلال إصدار القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي تمت المصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 24 يوليوز 2024 ( والذي سيدخل حيز التطبيق في شهر غشت 2025 ).
في هذا المقال، سنتطرق باختصار لتعريف العقوبات البديلة وشروط الإستفادة منها، بالإضافة لعرض موجز لأهم العقوبات التي أقرها القانون رقم 43.22، على أن نفرد لكل واحدة منها مقالات مفصلة لاحقًا.
الفقرة الأولى : تعريف العقوبات البديلة وشروط الاستفادة منها
يقصد بـالعقوبات البديلة تلك العقوبات التي تُعوض العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، وتُنفذ خارج المؤسسات السجنية. وهي تهدف إلى تعزيز الطابع الإصلاحي للعقوبة، بدل الاقتصار على العقاب الزجري، وذلك من خلال انخراط المحكوم عليه في أنشطة مفيدة للمجتمع، أو إلزامه بسلوكيات إصلاحية تحت رقابة قضائية.
وتم تعريفها في لفصل .35-1 – “العقوبات البديلة هي العقوبات التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها خمس سنوات حبسا نافذا”
ويُشترط لتطبيق العقوبات البديلة طبقا للقانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة أن يتم استيفاء الشروط التالية:
- ألا تكون العقوبة الأصلية المحكوم بها تتجاوز خمس سنوات حبسًا نافذا.
- ألا يكون المحكوم عليه في حالة العود.
- لا يحكم بها في الجنح المتعلقة بالجرائم التالية :
- الجرائم المتعلقة بأمن الدولة ولإرهاب.
- الإختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أوتبديد الأموال العمومية.
- غسل الأموال.
- الجرائم العسكرية.
- الإتجار الدولي في المخدرات.
- الإتجار في المؤثرات العقلية.
- الإتجار في الأعضاء البشرية.
- الإستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.
تُعد العقوبات البديلة من الأدوات الجديدة التي تهدف إلى جعل العقوبة وسيلة للإصلاح وإعادة الإدماج، بدل الاقتصار على الردع والزجر فقط. كما أنها تراعي الطابع الفردي للجريمة، وتسمح بمراعاة الظروف الاجتماعية والإنسانية للمحكوم عليهم، خاصة في حالة الجُنَح غير الخطيرة.
الفقرة الثانية: أنواع العقوبات البديلة المنصوص عليها في القانون رقم 43.22
تضمن القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة أربع عقوبات بديلة رئيسية، يمكن للمحكمة أن تحكم بها بدل العقوبة الحبسية إذا توفرت الشروط المطلوبة. وفيما يلي لمحة موجزة عن هذه العقوبات:
1-العمل من أجل المنفعة العامة:
يقضي المحكوم عليه ساعات محددة ( بين 40 و 3600 ساعة ) في أداء خدمات لفائدة مصالح الدولة أو الجماعات الترابية أو مؤسسات أو هيئات حماية الحقوق و الحريات والحكامة الجيدة أو المؤسسات العمومية أو المؤسسات الخيرية أو دور العبادة، أو غيرها من المؤسسات أو الجمعيات أو المنظمات غير الحكمية العاملة لفائدة الصالح العام .
ويتم أداء هذا العمل بدون مقابل مادي، في ظروف تأخذ بعين الاعتبار عمل أو دراسة المحكوم عليه، ويشترط في هذا الأخير ألا يتجاوز سنه 15 سنة،
2 – تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية:
تُعد هاته العقوبة واحدة من أبرز صور العقوبات البديلة التي نص عليها القانون رقم 43.22، وتهدف إلى مراقبة سلوك المحكوم عليه وإعادة تأهيله بطريقة غير سالبة للحرية.مثل فرض ممارسة نشاط مهني أو دراسة أو تأهيلا مهنيا محددا، أو منعه من ارتياد أماكن محددة، أو إلزامه بالخضوع لمتابعة طبية أو علاج نفسي أو علاج ضد الإدمان … وغيرها من التدابير التي سنعود لها بالتفصيل في مقال مستقل.
وتُطبق هذه العقوبة إذا رأت المحكمة أن من شأنها تحقيق الردع الخاص وضمان عدم العود، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الجريمة وشخصية الجاني.
3- المراقبة الإلكترونية:
وتهدف إلى تقليص اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية القصيرة الأمد، مع الحفاظ على رقابة فعالة على المحكوم عليه. وتتمثل هذه العقوبة في إخضاع الشخص لمراقبة إلكترونية عن طريق حمل سوار إلكتروني يحدد مجال حركته أو فترات تواجده في أماكن معينة، كالمنزل أو مقر العمل، وفقًا لما تحدده المحكمة. وتُتيح هذه الآلية متابعة المحكوم عليه عن بُعد دون الحاجة إلى إيداعه مؤسسة سجنية، مما يُعزز فرص إعادة الإدماج الاجتماعي ويُقلل من التأثيرات السلبية للعقوبة الحبسية، خصوصًا بالنسبة للجنح غير الخطيرة.
4-الغرامة اليومية :
في إطار هذا النوع من العقوبة تُحدد المحكمة مبلغًا ماليًا يُدفع عن كل يوم من مدة العقوبة الحبسية الأصلية، ويتراوح هذا المبلغ بين 100 و2000 درهم لليوم الواحد، بحسب الوضعية المادية للمحكوم عليه. ولا يُمكن تطبيق هذه العقوبة إلا بموافقة صريحة من المعني بالأمر، وبعد التأكد من قدرته على الأداء. كما يمكن للمحكمة أن تمنح أجلاً يصل إلى ستة أشهر لتسديد الغرامة، أو الترخيص بالأداء على أقساط، مع إمكانية تعديل المبلغ في حال تحسنت أو تدهورت الحالة المادية للمحكوم عليه.
خلاصة
يشكل اعتماد العقوبات البديلة بموجب القانون رقم 43.22 نقلة نوعية في السياسة الجنائية المغربية، حيث يعكس توجهًا واضحًا نحو إرساء عدالة أكثر إنسانية وفعالية، فبدل الاقتصار على العقوبات السجنية، أصبح بالإمكان اعتماد تدابير إصلاحية توازن بين حماية المجتمع وإعادة تأهيل المحكوم عليه. وقد حدّد المشرع بدقة شروط تطبيق هذه العقوبات، واستثنى منها الجرائم الخطيرة لضمان عدم المساس بالأمن العام أو الثقة في العدالة، ومع دخول هذا القانون حيز التنفيذ في غشت 2025، سيكون من المهم تتبع أثر هذه الآلية الجديدة على الواقع العملي، ومدى مساهمتها في تحقيق أهداف العدالة الجنائية المعاصرة.
ملاحظة مهمة :
يمكنك تحميل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة من خلال الضغط هنا.
من أجل التوصل بجديد المواضيع، مباشرة على البريدك الإلكتروني الخاص بك فور وضعها على الموقع، يمكنك وضع بريدك الإلكتروني في النشرة البريدية أسفل الصفحة.
مرحبا بكل مشاركاتكم و استفساراتكم على الموقع، لا تترددو في التواصل معنا .