نضع بين يديكم في هذه المقالة، ملخص النموذج التنموي الجديد 2021 الرسمي، من أجل القراءة أو التحميل، تجدون رابط تحميل ملخص النموذج التنموي الجديد 2021 أسفل المقال.
النص الكامل لملخص النموذج التنموي الجديد 2021 PDF :
من أجل ميثاق وطني جديد
يستمد نماء الأمة جذوره انطلاقا من أرضية خصبة، تتشكل من مقومات رمزية تندرج في إطار الزمن الطويل. وبكونه بلدا ذا عمق تاريخي، شكل مدارا للحضارات على مر العصور، فإن المغرب كرس دائما اختيار التعددية والإدماج و إشاعة القيم كأساس لتطوره. وتشبثا بهذا الإرث العريق، فإن الأمة المغربية تراهن على تحقيق إقلاع حضاري ينبني على استثمار كافة مقومات التنمية في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وذلك ضمن رؤية مستقبلية طموحة، ترتكز على الشعور بالانتماء إلى نفس الوطن.
خلال العقدين الأخيرين، عرفت المملكة تقدما ملحوظا، ساهم في الرفع من سقف المطالب وأضفى شرعية على التطلعات الجديدة. وانسجاما مع روح الدستور واستنادا على الإرث التاريخي الغني، فإنه يصبو إلى نفس جديد، من خلال تعبئة كافة مكوناته وبروح المواطنة وحس التضامن، بغية بناء مستقبل مزدهر يؤمن رفاه المواطنين.
وتلتقي مكونات المجتمع المغربي اليوم حول نفس الرغبة الملحة والمتمثلة في تحرير الطاقات من خلال تعزيز قدرات المواطنات والمواطنين؛ استباق التحولات التي يشهدها العالم من أجل تعبئة الفرص التي تتيحها والتخفيف من حدة المخاطر الناجمة عنها: التعريف بالمبادرات المحلية المبتكرة في بلد يشكل فيه الشباب الشريحة الديمغرافية الأوسع، وتحصين الحريات ضمن إطار يكرس الثقة والمسؤولية.
لقد قامت بلادنا بتشخيص شمولي لوضعيتها التنموية ورصد مؤهلاتها والتحديات التي تواجهها وكذا الوعود التي بالإمكان تقديمها، وذلك قبل حدوث الأزمة الصحية العالمية والتى ألقت بظلالها على الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. لقد أبان المغرب عن فهم عميق للأزمة الحالية، باعتبارها ليست مجرد أزمة عابرة، بل لكونها تؤشر على تحولات هيكلية عميقة لها انعكاسات على كافة المستويات الترابية ومجالات السيادة الوطنية على المستوى الاقتصادي، الغذائي، الطاقي أو الرقمي. لقد حان الوقت، كما جرت العادة في تاريخ المملكة العريق والمتواصل، لتجديد الميثاق الوطني. ميثاق يضمن في نفس الآن الانصاف والحرية، الحماية والتمكين، الابتكار والتجذر، التعددية والوحدة، وذلك خدمة لطموح تنموي جديد. هذا الميثاق، الذي يشكل التزاما معنويا وسياسيا ورمزيا قويا أمام جلالة الملك وأمام الأمة برمتها، بإمكانه أن يشكل محطة تاريخية جديدة لبلادنا.
لا يمكن الارتقاء نحو مستقبل مشترك دون جذور مشتركة يمكن الارتكاز عليها، كما أنه لا يمكن تحقيق إقلاع دون أرضية صلبة تكرس روح الانتماء الجماعي الذي يضمن التزام وانخراط كافة الأجيال ويعبئ الطاقات بكل تنوعها. إن الأمة المغربية التي تكرس قيم الإسلام المبنية على التسامح والانفتاح، تسعى إلى جعل هذه القيم قوة دفع لمشروعها الجماعي القائم على الاعتزاز بالنفس واحترام الآخر. وفي الوقت الذي يجتاز فيه العالم مرحلة شك على المستوى المؤسساتي، وتطرح تساؤلات حول قضايا الهوية وتزداد حدة التوترات الجيوسياسية في سياق صعود قوى جديدة، فإن المملكة تسعى إلى رسم مسارها التنموي بالاستناد على تطلعات وانتظارات مواطنيها وسعيا منها في المساهمة في بناء عالم أفضل.
يستمد هذا الطموح المستقبلي، إذن، جذوره من الإرث التاريخي وإرادة الحاضر. فهو يأخذ بعين الاعتبار التاريخ الحديث خلال العقدين الأخيرين، اللذين شهدا زخما إصلاحيا خلال عشرية 2000 وعرف قاعدة تطورات ذات الصلة بالوعود الدستورية لسنة 2011؛ وقبل ذلك في القرن الماضي، بما يشكله من لحظات اختبار واجهت الأمة، والتي تم تجاوزها بفضل الحماس الذي واكب الاستقلال وتوحيد البلاد، الذي يستمد حيويته من ثورة الملك والشعب ومن التاريخ العريق للأمة المغربية. وباعتبار المغرب مزيج فريد من نوعه لعدة روافد ثقافية العربية الإسلامية والأمازيغية والافريقية والصحراوية الحسانية والعبرية والأندلسية، فإن الشخصية التاريخية المغربية تمزج بين الزمن الطويل والتعددية. وتتعزز هذه الشخصية التاريخية بالتشبث بقيم الإسلام المستنيرة والمتجذرة، في انسجام مع القيم الإنسانية. وهو ما يكرس اعتزاز المغرب بخصوصيته وتفرده. إن الشعور بالانتماء إلى أمة تعد من بين أعرق الأمم في العالم يشكل أحد الدعامات لبناء مستقبلنا المشترك.
إن المؤسلة الملكية، بكونها رمزا للاستمرارية التاريخية والاستقرار تشكل الدعامة الأساسية لهذا البناء وتعطي للأمة القدرة والجرأة الضروريين لتطورها وازدهارها. إن جلالة الملك، الذي يجسد هذا التفرد، هو الضامن للتوازن بين دولة قوية وعادلة ومجتمع قوي ودينامي. وهو يكرس القيادة الضرورية التحقيق الطموحات التاريخية الكبرى ولتتبعها وضمان استمراريتها.
إن المغاربة، نساء ورجالا، أينما تواجدوا عبر العالم، يحملون معهم إرثا حيا وذاكرة منفتحة على المستقبل. ومن خلال ضرب موعد مع أنفسهم ومع التاريخ بغية زرع أحلامهم وتنميتها والحرص على تحقيقها، فإنهم يلتزمون بجعل قيمهم وتعدديتهم وتراثهم جذورا مغذية للمستقبل، وبجعل تطلعاتهم تواكب تطورات العالم وتساهم في بناء مستقبله. وأيضا على جعل وطنهم قادرا على الاستمرار في التشبث بقيم السلم والازدهار المشترك.
لمحة عن المهام الموكولة إلى اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي والمقاربة المعتمدة
يندرج هذا التقريرفي إطار المهام التي أوكلها جلالة الملك، نصره الله، إلى اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي. ويرسم هذا التقرير ملامح النموذج الجديد الذي يتضمن طموحا وطنيا ويقترح مسارا للتغيير ذا مصداقية وقابلا للتنفيذ على أرض الواقع. ويرتكز هذا النموذج على مؤهلات المملكة وعلى منهجية جديدة عبر الإنصات والتشاور مع مختلف القوى الحية ببلادنا.
ولا يشكل هذا التقرير حلا سحريا للاختلالات التي تم الوقوف عليها، ولا تجميعا لسياسات قطاعية ولا حتى دليلا مرجعيا لبرنامج حكومي أو حزبي. يندرج النموذج المقترح ضمن الإطار الدستوري ووفقا لتنظيم السلط الذي يحدده ويدعمه برؤية تنموية من شأنها أن تفعل الوعود الدستورية على أرض الواقع. يرتكز النموذج الجديد أيضا على التاريخ العريق للمملكة، الذي ساهم في تشكيل الهوية الوطنية وإغنائها بفضل الروافد الثقافية المتعددة، وفي الارتقاء بالمواطن المغربي كفاعل مستقل قادر على الأخذ بزمام أموره. هذا العمق التاريخي الذي يجسد خصوصية المغرب كمدار للحضارات وأرض السلام والحوار والتعايش، تؤهل بلادنا لتساهم في بناء عالم جديد تكاد ملامحه الأولى ترى النور في سياق تبعات جائحة كوفيد-19.
إن النموذج التنموي الجديد، كدعامة لمغرب الغد، تم تصميمه من طرف المغاربة، مع المغاربة ومن أجل المغاربة. فهو نتاج تفاعل واسع مع عدة شرائح من الساكنة في أماكن عيشهم ولا سيما في المناطق المعزولة. ويشكل النموذج الجديد منهجية أخرى لتصور التنمية بكونها أكثر تشاركية. وتوضح هذه المنهجية بأن النقاش الصريح والمسؤول حول مستقبل البلاد أمر ممكن مع المواطنين والفاعلين في مجال التنمية. وأنه بإمكان هذا النقاش أن يفضي إلى اقتراحات بناءة وملائمة للواقع. وقد مكنت هذه المقاربة أيضا من الوقوف على الرغبة الملحة للمشاركة والاندماج والاستقلالية خاصة من طرف الشباب الذين يتوقون للتمكين من أجل تقرير مسار حياتهم بأنفسهم.
اعتبارا لكل ما سبق، فإن النموذج التنموي يشكل مقترحا لمسار تنموي جديد ودعوة عامة للتعبئة الشاملة والعمل والتفاني قصد بناء المغرب الذي نطمح إليه جميعا، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة نصره الله. إن نجاح هذا الورش الكبير يستدعي نمطا جديدا للتنظيم الجماعي يمكن كافة المغاربة، بغنى تعدديتهم، من العمل سويا وفق أهداف مشتركة بغية ضمان العيش الكريم للجميع.
ملخص تنفيذي
طموح في أفق 2035
تزخر المملكة بإمكانات تنموية مهمة. فالمغرب القوي بوحدته واصطفافه وراء صاحب الجلالة، الضامن للمصالح العليا للبلاد ولاستقرارها واختياراتها الديمقراطية، بمقدوره تعبئة ساكنته وقواه الحية بتعدديتها، وذلك من أجل التطلع الجماعي نحو طموح وطني جديد.
إن مؤهلات المغرب التي يخولها له موقعه الجيوستراتيجي، تاريخه العريق ورأسماله اللامادي الفريد من نوعه وكذا طاقات نسائه ورجاله، تؤهله للارتقاء إلى مصاف الدول الرائدة، خدمة لرفاه مواطنيه وإسهاما منه في بناء عالم أفضل. عالم يسوده السلم، منفتح على الحوار والتعاون، عالم يحترم كرامة الإنسان، عالم حريص على حماية تنوع الأنظمة الإيكولوجية والتوازنات البيئية.
وانطلاقا من هاته المؤهلات، يتبنى النموذج التنموي الجديد كطموح مشترك الانتقال إلى مغرب مزدهر، مغرب الكفاءات، مغرب الإدماج والتضامن، مغرب الاستدامة والجرأة. ويستوجب هذا الطموح في جوهره تعبئة كل إمكانات البلاد عبر وضع العنصر البشري في صلب أولويات السياسات العمومية، سواء باعتباره فاعلا أو مستفيدا من مسيرة التنمية. ويتوافق هذا الطموح مع الانتظارات المستعجلة المعبر عنها من طرف مواطنين تواقين إلى المشاركة والتمكين والاعتراف.
تقترح اللجنة أن تتم ترجمة هذا الطموح إلى أهداف تنموية محددة وفي المتناول قصد الارتقاء بالمملكة لتتبوأ مكانتها ضمن الثلث الأول من ترتيب الدول في عدة مجالات في أفق 2035. وهو ما من شأنه أن يكرس خاصية المغرب كنموذج يحتذى به داخل محيطه الإقليمي وحتى الدولي. ومن بين هذه الأهداف، مضاعفة الناتج الداخلي الخام حسب الفرد في أفق 2035 وضمان امتلاك 90٪ من التلاميذ للتعلمات الأساسية، بالإضافة إلى الرفع من معدل التأطير الطبي للملاءمة مع معايير منظمة الصحة العالمية وتقليص نسبة الشغل في القطاع غير المهيكل إلى 20% ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 45٪ مقابل 22% حاليا والوصول إلى نسبة رضا المواطنين عن الإدارة والخدمات العمومية تزيد عن 80./.
ويستدعي هذا الطموح أكثر من أي وقت مضى التعبئة الشاملة للكفاءات على المستوى الوطني والمحلي والمهيئة بما يكفي لرفع تحديات التنمية في سياق وطني ودولي متحول يتسم بعدم اليقين وبتزايد حدة التعقيدات.
تشخيص صريح وشفاف
ومن أجل الوصول إلى الهدف المنشود، قامت اللجنة بتحليل شفاف ودقيق للنموذج التنموي الحالي قصد الوقوف على مكتسباته ومكامن ضعفه والهوامش المتاحة لتحسينه.
عرف المغرب منذ أواسط التسعينات زخما إصلاحيا تسارعت وتيرته في عقد 2000 مما ساهم في إطلاق دينامية تنموية حميدة وتعبوية. ولقد مكن تحديث البنية التحتية وإطلاق العديد من الاستراتيجيات القطاعية وانخراط المغرب في برنامج طموح ورائد في مجال الطاقات المتجددة من إيجاد حلول اقتصادية وجيهة أساسية لبناء المستقبل. ومكنت برامج كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ونظام المساعدة الطبية، فضلا عن تعميم التعليم وفك العزلة عن العالم القروي وربطه بشبكة الكهرباء وكذا محاربة السكن غير اللائق من تقليص العجز في المجال الاجتماعي وتسجيل انخفاض ملموس في معدل الفقر. وفي نفس السياق، تم إحراز تقدم مهم بفضل تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الجريئة همت على سبيل المثال مدونة الأسرة وإعادة هيكلة الحقل الديني والإقرار بالتعددية الثقافية وإضفاء الطابع المؤسساتي عليها.
وفي مواجهة الاضطرابات التي هزت الجوار الإقليمي في عام 2011 تمكنت المملكة في المقابل من إيجاد حلول تبعث على الأمل وتستجيب لانتظارات المواطنين والطبقة السياسية. وعلى الرغم من كل ذلك، ونتيجة لتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي وتفاقم الفوارق، خيم على البلاد مناخ اتسم بأزمة ثقة ألقت بظلالها على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. إن العديد من الإصلاحات المعلن عنها من أعلى مستوى في الدولة (التحول الاقتصادي، التربية والتكوين، الصحة والحماية الاجتماعية، الحفاظ على الثروات الطبيعية، الجهوية …) تعاني من بطء في التنزيل وتعترضها عدة مقاومات للتغيير، مما يفضي إلى نتائج ليست في مستوى التطلعات والآمال المعقودة عند إطلاق هذه الإصلاحات، وهو ما يثير تساؤلات المواطنين ويساهم في إضعاف منسوب الثقة.
وقد رصدت اللجنة أربع معيقات تحد من مردودية النموذج التنموي الحالي: 1) غياب الانسجام بين الرؤية التنموية والسياسيات العمومية المعلن عنها وكذا ضعف الالتقائية بين هذه السياسات. ويتجسد هذا الإشكال في غياب رؤية استراتيجية شاملة تندرج في الأفق الزمني البعيد، بالإضافة إلى إصلاحات يتم وضعها بطريقة منعزلة وبدون مرجعية واضحة مما لا يساعد على ترتيب الأولويات والأخذ بعين الاعتبار الموارد المتوفرة والقدرات الحقيقية للفاعلين؛ 2) بطء التحول الهيكلي للاقتصاد جراء التكلفة المرتفعة لعوامل الإنتاج التي تعيق تنافسية المقاولات وضعف الانفتاح على فاعلين جدد أكثر إبداعا وتنافسية. ويرتبط هذا العائق بقلة نجاعة منظومة الضبط وعدم الاستفادة بشكل أمثل من آليات التحفيز الاقتصادي التي تضعف روح المجازفة وتغذي منطق الريع داخل القطاعات التقليدية وتحمي المصالح الضيقة بدل المصلحة العامة؛ 3) محدودية قدرات القطاع العام في صياغة وبلورة خدمات عمومية سهلة الولوج وذات جودة تهم المجالات الأساسية للحياة اليومية للمواطنين ورفاهيتهم. فالقطاع العام يشتغل بصفة علوية وممركزة وبمنطق لا يعتمد بشكل كاف على المردودية والنتائج ولا يسمح بتطوير رؤية استراتيجية للاضطلاع بدوره في إطلاق ومواكبة العديد من أوراش التحول؛ 4) الشعور بضعف الحماية القضائية وعدم القدرة على التوقع الذي يحد من المبادرات بسبب الهوة مابين بعض القوانين والواقع الاجتماعي وقضاء يعاني من ضعف الثقة إضافة إلى ثقل البيروقراطية وتعثر سبل الانتصاف. وتعتبر هذه المعيقات أيضا، نتاجا لتمثلات تعتبر الرقابة الممنهجة والمركزية بمثابة أنماط مثلى لتدبير التنمية وترى أن بعض الفئات المواطنون، الشباب، القطاع الخاص، المجتمع المدني) لا ترقى إلى مستوى شريك موثوق به کما ترى أن التقاليد لا تتلاءم مع التقدم والحداثة.
لقد أكدت اللقاءات التشاورية مع المواطنين والقوى الحية للبلاد ضرورة تسريع الانتقال نحو نموذج تنموي جديد والذي تزداد استعجاليته بالنظر للتحولات الجارية على المستويين الوطني والدولي، وكذا بالنظر إلى السياسات الاستباقية التي تفرضها هذه التحولات. وقد ساهمت جائحة كوفيد-19 في تنامي الوعي الجماعي بضرورة التحرك السريع لمواجهة تبعاتها، خصوصا وأنها أثرت على الأسس التي تنبني عليها العولمة. إن السياق الدولي الجديد الذي يلوح في الأفق يؤشر على فرضية توالي الأزمات الصحية وتسارع وتيرتها وحدة تعقيدها، وهو ما يستدعي قدرات استباقية وإمكانيات للتدخل تتسم بفعاليتها ونجاعتها من أجل التحكم في آثارها المتعددة الابعاد. واستنادا إلى تحاليل معمقة، فإن اللجنة تعتبر أن النموذج التنموي الجديد بإمكانه تجسيد الطموح المنشود شريطة توفير الامكانيات والوسائل لإنجاح تفعيل استراتيجية متجددة وإصلاحات مهيكلة، بطريقة ممنهجة والتقائية وضرورة استثمارهما على الوجه الأكمل من حيث الأثر على الساكنة والمجالات الترابية في إطار من التضامن والإنصاف.
مرجعية جديدة للتنمية
ولتحقيق هذا الطموح والأهداف المترتبة عنه، فإن اللجنة تدعو إلى تبني توجه تنظيمي جديد يكرس التكامل بين دولة قوية ومجتمع قوي، دولة حاملة لرؤية استراتيجية للبلاد ولمواطنيها وتحرص على تنفيذها، دولة تكفل حماية وكرامة وحريات المغاربة وتحميهم من الهشاشة والأزمات وتمنح الإطار الكفيل بإشراك كافة الطاقات، خدمة لتنمية البلاد ولفائدة المنفعة المشتركة والمصلحة العامة. ولا يعني هذا دولة أقل بل دولة أحسن. كما يتوخى هذا التوجه مجتمعا تعدديا ومعبأ ومسؤولا يعزز استقلالية الأفراد والمجموعات المكونة له. مجتمعا يلتزم بالدفاع عن المصلحة العامة، يكرس جهوده من أجل دعم قيم المواطنة واحترام الآخر، بدون استثناء. مجتمعا أكثر قدرة على مواجهة التعقيدات المتزايدة التي يشهدها العالم ويأخذ بعين الاعتبار تداخل تحديات التنمية والحفاظ على توازنات الأنظمة الايكولوجية، لاسيما فيما يرتبط بندرة بعض الموارد كالماء.
ويتعلق الأمر بمجتمع قادر على الأخذ بزمام أموره بكل مسؤولية بدعم من الدولة المركزية كشريك حريص على المضي قدما نحو الهدف المنشود. وذلك من أجل خلق توازن بناء بين سياسات وطنية تنهجها الدولة على المدى البعيد، من جهة، والدينامية الجهوية والمحلية التي تتيح هامشا أكبر للمبادرة والتجريب والابتكار، من جهة أخرى.
ويعكس هذا التوجه التنظيمي مفهوم المسؤولية والإقلاع الشامل» الذي تطرق إليه صاحب الجلالة في خطاب العرش لسنة 2019. كما يترجم بشكل عملي خصوصية النموذج المؤسساتي المغربي بالنظر إلى المكانة المركزية للمؤسسة الملكية باعتبارها عماد الدولة ورمز الوحدة الوطنية والضامنة لتوازن القوى والحاملة للرؤية الاستراتيجية.
ويتوافق هذا التوجه مع المبادئ التي كرسها دستور المملكة ومع تنظيم السلط التي حددها، مثلما يركز على ضرورة الالتقائية بين السياسات وتظافر جهود الفاعلين في إطار مقاربة تعبوية مبنية على شراكة منفتحة وتنظيم الدولة يكرس الجهوية باعتبارها رافعة للتنمية وعاملا أساسيا للتوظيف الأمثل لمؤهلات البلاد بكل تنوعتها.
وقد تمت ترجمة هذا التوجه التنظيمي إلى مبادئ عملية تدعم بشكل ملموس منهجية تحرير الطاقات والاستقلالية والمسؤولية. ويندرج في هذا الإطار التركيز على الأثر بالنسبة للمواطن وتطوير قدرات الفاعلين واعتماد مرجعية القرب كأساس لتوزيع الاختصاصات بين مختلف المستويات الترابية، بالإضافة الى الحرص على الاستدامة البيئية والمالية.
ومن أجل تحرير الطاقات، يدعو التوجه الجديد أيضا إلى وضع إطار لترسيخ الثقة والمسؤولية من أجل تعزيز الحماية القانونية والمعنوية للفاعلين ووضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار. وتكمن العناصر المشكلة لهذا الإطار في قضاء قوي وقوانين واضحة وقواعد عمل شفافة ومطبقة بدون تمييز ومساءلة الفاعلين عبر التقييم المنتظم للمهام التي يقومون بها والاحترام الصارم لقيم النزاهة والأخلاقيات. ويعد هذا الإطار ضروريا من أجل فسح المجال لكافة الإرادات للمساهمة في تنمية البلاد، كتعبير عن تشبث جميع المغاربة بمستقبل وطنهم ومن أجل ترسيخ قيم المواطنة وتعزيز الحس الوطني. إن هذا التوجه المتعلق بالتوازن بين دولة قوية ومجتمع قوي له آثار من حيث مكانة ودور الفاعلين الرئيسيين: الفاعلين العموميين، والخواص والقطاع الثالث، ومن شأنه تعزيزشرعية هؤلاء الفاعلين وتكريس تمثيليتهم وتوسيع مجال تدخلهم ومساهمتهم في خلق القيمة. كما أنه يحملهم المسؤولية في تفعيل النموذج التنموي ويشجع على تظافر الجهود والتكامل بين مختلف الأطراف المعنية.
خيارات استراتيجية ورهانات مستقبلية
تقترح اللجنة خيارات استراتيجية من شأنها إطلاق دينامية جديدة لخلق الثروة تمكن من إدماج جميع المواطنين وجميع المجالات الترابية وتعبئ إمكانات البلاد وتغتنم كافة الفرص المتاحة. بعض من هذه الخيارات تتضمن تعزيزما هو قائم أو تسريع وتيرة الإصلاحات الجارية. وهناك خيارات أخرى هي بمثابة قطيعة مع الوضع الراهن، على الأقل فيما يخص المنهجية، أو فيما يتعلق بالهدف المنشود، مما يستدعي تغييرا عميقا في طرق العمل والذهنيات. فعلى المستوى الاقتصادي، تعتبر اللجنة أنه من الضروري تسريع وتيرة التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني قصد جعله أكثر دينامية وتنوعا وتنافسية، وقدرة على خلق مزيد من القيمة المضافة ومناصب الشغل ذات جودة ومدرا للموارد من أجل تمويل الحاجيات الاجتماعية. ولهذا يجب التركيز على دعم قدرات الاقتصاد الوطني من حيث الصمود والتكيف سواء مع تبعات الأزمة الحالية أو مع أزمات أخرى التي من المتوقع أن تزداد وتيرتها وحدتها مستقبلا. وباعتباره دعامة لمغرب مزدهر، فإن التحول الهيكلي للاقتصاد يفرض تحديدا: 1) تحرير المبادرة الخاصة وبث روح المقاولة من خلال مناخ أعمال شفاف ومطمئن وتوقعي وعبر مساطر مبسطة وتقنين مستقل يحفز بشكل ملموس ولوج فاعلين جدد أكثر إبداعاء 2) تحبين تنافسية النسيج الاقتصادي عبر التقليص من تكلفة عوامل الإنتاج وبشكل خاص الطاقة واللوجستيك؛ 3) توجيه استثمارات القطاع الخاص سواء تعلق الأمر بكبريات الشركات أو المقاولات الصغرى والمتوسطة نحو القطاعات الرائدة والمستقبلية وأيضا نحو الارتقاء بالنظام الإنتاجي وذلك عبر إطار تحفيزي ملائم والولوج الموسع إلى آليات التمويل المتعددة وكذا عبر مواكبة المقاولات لتعزيز قدراتها التدبيرية والتنظيمية والتكنولوجية؛ 4) تثمين الاقتصاد الاجتماعي وجعله دعامة للتنمية ومصدرا الخلق فرص الشغل اللائق داخل المجالات الترابية.
ومع التأكيد على ضرورة اعتماد مقاربة نسقية ومندمجة، فإن اللجنة تطرقت بدقة لبعض الأنشطة القطاعية، اعتبارا لمكانتها في الاقتصاد الوطني ونتيجة للإشكاليات التي طرحتها أزمة كوفيد-19 على مستقبل هذه القطاعات، خصوصا فيما يتعلق بقضايا السيادة والقدرة على مواجهة الأزمات. ويتعلق الأمر بكل من قطاعي الفلاحة والسياحة | بالنسبة للقطاع الفلاحي، فإن الأزمة الصحية الراهنة أبرزت الرهانات المرتبطة بالسيادة الغذائية وضرورة تطوير فلاحة عصرية وذات قيمة مضافة عالية، دامجة وتكرس معايير المسؤولية الاجتماعية والبيئية. وبالإضافة الى تقوية اندماج سلاسل القيمة الفلاحية، من أجل تثمين أفضل للإنتاج المحلي، وإيلاء الأهمية لاستدامة الموارد خصوصا الماء، فإن ترسيخ السيادة الغدائية يستدعي تحفيز أنشطة البحث والابتكار وإرساء حكامة شمولية أكثر تنسيقا على مستوى المجالات الترابية.
فيما يتعلق بقطاع السياحة، فإن آثار الأزمة الصحية تجعل من الضروري إعادة التفكير في تطور هذا القطاع وفق مقاربة ترتكز على الاستدامة ودعم قدرات الصمود أمام الأزمات. ويحتاج هذا القطاع إلى نفس جديد، يمتد على المدى المتوسط والبعيد، ويرتكز على تثمين مؤهلات كافة المجالات الترابية قصد تحفيز السياحة الداخلية وكذا الرفع من جاذبية القطاع لبعض مكونات الطلب الخارجي. ولهذا الغرض، يتحتم تكميل عرض الإيواء بعرض يخص التنشيط وتقديم تجارب متنوعة ذات جودة، وفق مقاربة منظوماتية، وكذا دعم ريادة الأعمال وتعزيز الكفاءات في مجال الخدمات السياحية وتسريع التحول الرقمي للقطاع، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق على المستويين الاستراتيجي والعملي. ويشكل تجويد الرأسمال البشري من أجل مغرب الكفاءات، أمرا ضروريا لتحريك آليات الارتقاء الاجتماعي ولتمكين المغرب من التحسين الكبير لترتيبه ضمن التصنيفات العالمية ذات الصلة وذلك بفضل الترسيخ القوي لاقتصاد المعرفة.
وفي مجالي الصحة والتعليم، باعتبارهما ركائزهامة لتجويد الرأسمال البشري، فإن اللجنة تقترح : 1) التعزيز الجوهري لعرض الخدمات العمومية بمجموع المجالات الترابية وضمان الولوج المنصف إليها وذلك إلى جانب قطاع خاص كشريك مسؤول ونزيه :2) التركيز على جودة الخدمات وتقييمها انطلاقا من المعارف المكتسبة من طرف التلاميذ ومن ملتوی کفاءات الطلبة وقابليتهم لولوج سوق الشغل وكذا عبر عرض صحي يواكب التعميم الفعلي للتغطية الصحية؛ 3) تثمين الموارد البشرية وتقوية قدراتها سواء بالنسبة للأساتذة والباحثين أو الأطباء ومستخدمي القطاع الصحي.
وفي هاذين القطاعين، لا يمكن تجويد أداء ونجاعة المرافق العمومية دون حكامة ترابية واستقلالية أكبر للمؤسسات التعليمية والجامعات والمراكز الاستشفائية. ويتحقق كل ذلك في إطار من المسؤولية إزاء الالتزامات المبنية على النتائج والنجاعة وآليات منتظمة للتقييم.
وبشكل أكثر تحديدا، ترى اللجنة أنه بالإضافة الى مهمتها الجوهرية فيما يتعلق بالتكوين وتنمية القدرات، فإن المدرسة المغربية يتحتم عليها الاضطلاع بدور هام في مجال نشر وترسيخ القيم، من خلال تربية وطنية ودينية متجددة، تستند على تاريخنا العريق. وغنى وتنوع ثقافتنا الوطنية وارتباطنا بمنهج الإسلام المنبني على التالف والتضامن. وعبر تطويرقيم المواطنة، التي تكرس احترام الآخر بمنأى عن الاختلافات، وأهمية المنفعة المشتركة وسمو المصلحة العامة والمشاركة المواطنة، فإنه بالإمكان تقوية الشعور بالانتماء للوطن وترسيخ التشبث بثوابت الأمة.
في قطاع الصحة، إن التحديات الجديدة التي تطرحها أزمة كوفيد 19 والمخاطر المحتملة لظهور أزمات صحية مستقبلا، تجعل من الضروري والملح تقوية قدرات منظومة الصحة من حيث اليقظة والوقاية والصمود. وبالموازاة مع تعزيز الجهود المبذولة حاليا من أجل استدراك التأخر الهيكلي ومقاومة آثار الجائحة الحالية، سيكون من المهم بذل جهود كبيرة لتقوية السيادة الوطنية في مجال الصحة عبر تطوير صناعة صيدلية وطبية تكون قادرة على إنتاج الأدوية، واللقاحات وإجراء الفحوص فضلا عن المعدات الطبية والمستهلكات الطبية، للاستجابة للحاجيات الوطنية في هذا المجال وأيضا لتلبية طلب البلدان الأفريقية.
يظل إدماج الجميع، بشكل يكفل كرامتهم، قضية محورية من أجل إرساء قواعد عيش مشترك، منسجم ومستقريعزز الرابط الاجتماعي ويفسح المجال أمام فرص المشاركة في وجه كافة المواطنين. ويستدعي مغرب الإدماج إعطاء الأولوية ل: 1) الدفع بصفة إرادية ومقصودة نحو استقلالية ومشاركة المرأة؛ 2) دعم إدماج وتنمية الشباب وتحديدا ما مجموعه 4.5 مليون شاب غيرنشيط حاليا وذلك عبر المشاركة المدنية والثقافية والرياضية وكذا من خلال الإدماج المهني؛ 3) ضمان قاعدة صلبة للحماية الاجتماعية تعزز القدرات والإدماج لفائدة الفئات المحرومة وتجسد التضامن بين المواطنين وفق مبادئ المساهمات المنصفة و؛ 4) استثمار التعدد الثقافي باعتباره رافعة للانفتاح والحوار والتماسك الاجتماعي.
وفي انسجام مع التوجه الجديد، ومن أجل بلوغ مغرب الاستدامة، تدعو اللجنة إلى ضرورة تعزيز دور المجالات الترابية باعتبارها نواة لترسيخ دينامية التنمية وبناء إطار للعيش يتسم بالجودة لفائدة المواطن وكذا للحفاظ على الاستدامة. وفي هذا الصدد يتعين العمل على: 1) تسريع اللامركزية واللاتمركز موازاة مع النقل الفعلي للسلط والعمل على أن تمارس الجهات وظائفها وصلاحياتها بشكل كامل؛ 2) إعادة النظر في التنظيم الإداري للمجالات الترابية وتشجيع تظافر جهودها بهدف تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين؛ 3) تبسيط حكامة التخطيط العمراني واعتماد سياسة للسكن، خصوصا فيما يتعلق بالسكن الاجتماعي، من أجل تعزيز التمازج الاجتماعي ودعم الادماج السوسيو- اقتصادي وتحسين إطار العيش، مع عرض للخدمات العمومية للقرب، ووسائل نقل مواتية وتستجيب لحاجيات الساكنة بالإضافة الى تعزيز الربط الرقمي ؛ 4) تعزيز حماية الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي وإصلاح قطاع الماء عبر أنماط استهلاك تعكس ندرة هذا المورد الحيوي. ولإرساء مغرب الجرأة، تقترح اللجنة خمسة رهانات للمستقبل بإمكانها أن تجعل من المغرب أحد الأقطاب الإقليمية الأكثر دينامية وجاذبية في المجال الاقتصادي والمعرفي. وتتعلق هذه الرهانات بالتكوين والبحث الميداني في خدمة المجالات الترابية؛ طاقة تنافسية ومنخفضة الكربون، المنصات الرقمية والربط بالصبيب العالي للأنترنيت؛ الآليات المتعددة لتمويل الاقتصاد؛ علامة «صنع في المغرب » كوسيلة لتثمين إمكانات ومؤهلات المملكة وللاندماج أكثر في سلاسل القيمة العالمية.
وتواكب الخيارات الاستراتيجية السالفة الذكر مجموعة من المقترحات العملية والمشاريع التي بإمكان الفاعلين تملكها بغية إطلاق عملية التغيير صوب الأفق المنشود.
رافعات التحول
من أجل تسريع وتيرة التغيير، تدعو اللجنة إلى تحديث الجهاز الإداري فيما يخص الكفاءات وطرق العمل والاعتماد الكبير على الرقميات بالنظر إلى آثارها من حيث تحقيق التحول السريع.
ويستدعي النموذج التنموي من أجل تفعيله إرساء جهاز إداري متجدد، يكرس جهوده للصالح العام ويكون في خدمة المواطنين. وتقترح اللجنة في هذا الإطار التمييز بين المستوى الاستراتيجي ومستوى السياسات العمومية التي تندرج في إطار المهام السياسية وبين إطار التقنين الذي هو من اختصاص الإدارة الدائمة والمستوى العملي للتنفيذ الذي يرجع فيه الاختصاص للفاعلين العموميين أو الخواص النشيطين داخل المجالات الترابية. ويستوجب ذلك إدارة مسؤولة تضم الكفاءات وتكرس ثقافة الأداء والنتائج وإدارة شفافة يمكن مساءلتها عن قراراتها وعن قدرتها على اتخاذ المبادرات ومواكبة التغيير. وبصفة خاصة، فإن التجديد الدوري للوظائف العليا في القطاع العمومي على المستويين الوطني والترابي وكذا لمديري المقاولات والمؤسسات العمومية يعد تحديا ينبغي إيلاؤه أهمية قصوى من خلال وضع آليات للرفع من جاذبية المناصب العليا للوظيفة العمومية وتحديد واختيار الخبرات المؤهلة وتثمينها. كما أن تحسين أداء الإدارة يقتضی تبسيط وتخفيف مساطر التسيير الداخلى (قواعد الحكامة بمعايير دولية: تشكيل المجالس الإدارية، مساطر مراقبة تكرس المسؤولية، التقييم المنتظم) وذلك من أجل تمكين هذه الأخيرة من التركيز على المهام الأفقية والغايات وأيضا من أجل تحمل الأمرين بالصرف لمسؤولياتهم وتحفيز إقلاع المجالات الترابية باعتبارها فضاء لالتقائية السياسات العمومية.
وأخيرا، فإن على الإدارة إيلاء مزيد من الأهمية لجودة الخدمات المقدمة للمواطن من خلال تسريع مسلسل تبسيط المساطر الإدارية ورقمنتها الشاملة وتمكين المواطن من الولوج إلى المعطيات العمومية حتى يكون في وسعه التقييم المنتظم لجودة الخدمات وإمكانية الطعن في حالات النزاع أو التعرض للتعنيف.
وتعتبر اللجنة أن الرقميات تعد أداة أساسية للتغيير والتنمية وأن المغرب بإمكانه أن يمتلك الطموح ليصبح بلدا رقميا في أفق 2025. وبالفعل، فإن الرقميات من شأنها أن تساعد على تحرير الطاقات والرفع من منسوب الثقة بين المواطنين والدولة والتغلب على معضلة الرشوة وتحفيز الإدماج الاقتصادي والاجتماعي والمجالي لشريحة واسعة من المجتمع. ومن شأن اعتماد مساطر مبسطة وواضحة وخدمات ذات جودة عالية أن تجعل علاقة الدولة بالمواطن وعلاقة الدولة بالمقاولة أكثر انسيابية وشفافية.
ويتطلب التحول الرقمي للمغرب تحديثا سريعا للبنية الرقمية عن طريق ربط مجموع المجالات الترابية بشبكة الانترنيت وبصبيب عالي وتكوين عدد كاف من الكفاءات واستكمال الإطار القانوني والتوافقية بين الأنظمة من أجل رقمنة المرافق والخدمات العمومية وتعزيز الثقة الرقمية.
تمويل النموذج
أثرت أزمة كوفيد-19 على موارد الدولة وعلى طبيعة النفقات العمومية ذات الطابع الاستعجالي؛ وقد بينت بشكل واضح مدى ارتباط نجاح النموذج التنموي الجديد، قبل كل شيء، باعتماد استراتيجية ملائمة للتمويل. وتعتبر اللجنة أن الإصلاحات المهيكلة التي يتطلبها النموذج التنموي الجديد سوف تخلق قيمة مضافة وعائد استثمار مرتفع. كما أنها ستسمح بضمان استدامة تمويل النموذج على المدى الزمني وخصوصا إذا تمت عبر مراحل متناسقة من خلال إعطاء الأولوية للإصلاحات ذات الأثر الكبير والسريع مما يتيح إمكانية التمويل الذاتي للأوراش بعيدة الأمد والتي تستلزم ميزانيات مهمة وبشكل تواتري.
وبالتالي فإن إطلاق النموذج التنموي الجديد يظل رهينا بتوفير موارد إضافية مهمة. فبالنسبة للإصلاحات المهيكلة، خصوصا تلك المتعلقة بالرأسمال البشري والحماية الاجتماعية، فمن الممكن تعبئة الموارد عن طريق اللجوء إلى السوق الرساميل وتعبئة الشركاء والمانحين الدوليين، شريطة أن يكون مسار التنمية المقترح ذا مصداقية ويتم توجيه الموارد المعبئة خصيصا للمشاريع التحولية التي بإمكانها تسريع النمو الاقتصادي ودعم الاستقرار الاجتماعي.
وفيما يخص مشاريع التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، سيكون من الأجدر تعبئة موارد إضافية عن طريق جذب المستثمرين المحليين والأجانب سواء المؤسساتيين أو الخواص الراغبين في الاستثمار في قطاعات المستقبل ذات المردودية المرتفعة. إن تعبئة هذه الموارد التي ستمكن من ترشيد وتوزيع الموارد المالية العمومية تتطلب خلق فضاء من أجل الاستثمار في إطار شراكة ما بين القطاع العام والخاص والاستثمارات الأجنبية المباشرة. ويفترض ذلك تحديد وتهيئة حزمة مشاريع قابلة للتمويل.
وهذا يحيل أيضا على ضرورة تسريع ورش مراجعة سياسة المساهمات المالية للدولة من خلال إرساء الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وإعادة هيكلة بعض المؤسسات والمقاولات العمومية ذات الطابع التجاري عبر تحويلها إلى شركات مجهولة الاسم والتثمين الأمثل لأصولها وفتح رأسمالها للمساهمات العامة من أجل مواكبة تطويرها، كلما كان ذلك ممكنا. ومن اللازم أن يتم إطلاق هذا الورش بالتزامن مع القيام ببعض الإصلاحات القطاعية الرئيسية (الطاقة، الماء، اللوجيستيك، القطاع المالي) وذلك بشكل يضمن عرض خدمات ذات جودة للمواطنين وبأقل تكلفة وتحفيزتنافسية النسيج الاقتصادي. وتعتبر هذه الإصلاحات ضرورية من أجل تهيئة ظروف الانفتاح على الاستثمار الخاص عبر إرساء هيئات مستقلة للضبط بمعايير دولية تمكن من وضع إطار لحكامة ذات جاذبية بالنسبة للمستثمرين و الولوج إلى أدوات تمويلة مبتكرة.
آليات التفعيل
إن تفعيل النموذج التنموي الجديد يستدعي قيادة قادرة على خلق ظروف التملك الجماعي من طرف كافة القوى الحية لهذا النموذج وضمان تتبع تنفيذه. وترتكز هذه القيادة على خصوصية المغرب بالنظر إلى المكانة المركزية للمؤسسة الملكية لكونها حاملة للرؤية التنموية وللأوراش الاستراتيجية ذات البعد الزمني الطويل وحريصة على تتبعها وتنفيذها بما يضمن مصلحة المواطنين.
وفي هذا السياق، تقترح اللجنة آليتين لمواكبة تنزيل النموذج التنموي الجديد: تتمثل الآلية الأولى في ميثاق وطني للتنمية يهدف إلى تكريس التزام كافة القوى الحية للبلاد اتجاه أفق تنموي جديد ومرجعية مشتركة. وسيشكل هذا الميثاق الإطار العام لتناسق وتظافر الجهود بين مجموع الفاعلين ولتحديد الأولويات الاستراتيجية التي تؤطر عملية تخصيص الموارد. ويرتكز الميثاق أيضا على الخيارات الأساسية للتنمية باعتبارها قاعدة مشتركة بين مكونات الأمة وذلك من أجل فسح المجال للخيارات المتعددة للفاعلين السياسيين فيما يخص تفعيل السياسات العمومية. ومن خلال قدرته على توفيرقراءة واضحة للخيارات التنموية الكبرى للبلاد على المدى المتوسط والبعيد سيساهم هذا الميثاق في الإشعاع الدولي للمملكة والرفع من جاذبيتها. ومن الممكن اعتماد هذا الميثاق بصفة علنية من طرف المعنيين، إذ سيشكل التزاما سياسيا ومعنويا قويا أمام جلالة الملك وأمام الأمة برمتها. وسيكون هذا الميثاق أداة لتجديد علاقة الدولة بالفاعلين في مجال التنمية وسيمهد الطريق لمرحلة تاريخية جديدة في مسار التنمية بالبلاد، سواء على مستوى رمزيته أو طابعه الاستراتيجي وخاصيته الوظيفية.
ويتمثل المقترح الثاني في إحداث آلية، تحت إشراف جلالة الملك، لتتبع وتحفيز الأوراش الاستراتيجية وقيادة التغيير. ومن خلال العمل على الانسجام الشمولي والموائمة الاستراتيجية في اتجاه الأفق المنشود عبرتحفيز ودعم الإصلاحات التحولية ستمكن هذه الآلية من تكريس مسؤولية الجهات المعنية وتعزيز الأداء العام. ومن شأن هذه الآلية أن تضطلع بالمهام التالية: 1) التعريف بالنموذج التنموي الجديد (المرجعية والميثاق الوطني للتنمية وضمان نشره على نطاق واسع عبر مختلف وسائل الاتصال والإعلام؛ 2) وضع تصور للأدوات المنهجية الهادفة إلى تيسير سبل التنفيذ المنسجم والفعال للنموذج التنموي ووضعها رهن إشارة الهيئات والسلطات المعنية؛ 3) ضمان تجانس الاستراتيجيات والإصلاحات المقترحة لإرساء النموذج التنموي الجديد، مع الإطار المرجعي والميثاق الوطني للتنمية وذلك قبل اعتمادها من طرف السلطات المختصة من خلال صياغة الآراء والتوصيات؛ 4) العمل على تتبع تنفيذ المشاريع الاستراتيجية التي تقودها السلطات المسؤولة ورفع تقرير بخصوص هذه المشاريع إلى صاحب الجلالة؛ 5) مواكبة قيادة التغيير وفقا للتعليمات الملكية السامية من خلال المساهمة في إعداد مشاريع استراتيجية لدعم السلطات والهيئات المختصة ولتجريب الأوراش المبتكرة ولتطوير مسالك تنفيذية متعلقة بالتكوين الميداني وإدارة التغيير داخل الجامعات ومعاهد التكوين المتخصصة.
+ + + + + +
إن اقتراح النموذج التنموي يرتكز على طموح مشترك ومسار من أجل تحقيقه. وبإمكان المغرب، من خلال تعبئة كافة مؤهلاته وطاقات نسائه ورجاله، أن يحقق، تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة، قفزة نوعية تمكنه من الانتقال الى مرحلة جديدة في مساره التنموي. كما هو الشأن خلال المحطات الكبرى التي عرفها التاريخ العريق للمملكة، بإمكان هذه المرحلة أن تشكل نقطة انطلاق دينامية حميدة، تخلق الثقة وتترتب عنها آثارا إيجابية وملموسة من حيث ازدهار ورفاه المواطنات والمواطنين المغاربة، متحدين ضمن تعدديتهم، يجسدون مثالا للحوار والسلام والبناء المشترك مع الأمم الأخرى العالم أفضل.
يمكنكم تحميل ملخص النموذج التنموي الجديد 2021 PDF من الرابط أسفله :
ملاحظة مهمة :
من أجل التوصل بجديد المواضيع، مباشرة على البريدك الإلكتروني الخاص بك فور وضعها على الموقع، يمكنك وضع بريدك الإلكتروني في النشرة البريدية أسفل الصفحة.
مرحبا بكل مشاركاتكم و استفساراتكم على الموقع، لا تترددو في التواصل معنا .
شكرا لكم على كل هذه المجهودات واصلو
thank you