تقديـــم :
لاشك أن أول ما يستحضره كل متعامل مع القضاء تلك الوثيقة التي تتمخض عن مرحلة ما قبل المحاكمة والتي يحررها ضباط الشرطة القضائية بمناسبة قيامهم بعملهم المتجلي في التثبت من وقوع الجريمة وجمع الأدلة حولها، وإلقاء القبض أو إيقاف كل شخص له علاقة بالفعل الجرمي. حيث تتجلى الأهمية الحيوية التي تحظى بها تلك الوثيقة ليس فقط كوسيلة إثبات وإنما كآلية سخر لإنجازها سلطات واسعة بيد ضباط الشرطة القضائية. وللتأكيد فقط، يمكن القول أن ضباط الشرطة القضائية كما عرفتهم المسطرة الجنائية في المادة 19 يدخلون إما كضباط سامين للشرطة القضائية أو ضباط الشرطة القضائية بما فيهم جنود الدرك أو كأعوان في هذه الشرطة وكموظفين وأعوان مكلفين ببعض مهام الشرطة القضائية بمقتضى نصوص خاصة .
إذن في هذه المرحلة يظهر الدور الخطير الذي يلعبه ضباط الشرطة القضائية، فبناء على تلك المحاضر التي توضح ظروف وملابسات الجريمة قد تحجم النيابة العامة عن المتابعة وتأمر بحفظ الملف ، أو تقدم على المتابعة وتحيل الملف على المحكمة المختصة أو على قاضي التحقيق. كما أن هذا الأخير كثيرا ما يستند في قراراته إلى ما تحتويه هذه المحاضر من معلومات نظرا لما لها من حجية في الإثبات. وهنا يطرح التساؤل حول القيمة القانونية لهذه المحاضر وحجيتها أمام المحاكم . ثم ما هي الدفوع الشكلية التي يمكن إثارتها عند قراءة محضر الضابطة القضائية ؟ وما هو الجزاء الذي رتبه المشرع عن الإخلال بالشكليات المتطلبة قانونا؟
لكن قبل كل هذا وذاك لابد من التعريف بماهية المحضر وأنواع المحاضر وشروط وشكليات إنجازها . وبالتالي ارتأينا أن يكون الموضوع مقسما على الشكل الآتي :
المبحث الأول: ماهية المحضر و شكليات إنجازه.
المطلب الأول: تعريف المحضر وأنواعه.
الفقرة الأولى: تعريف المحضر.
الفقرة الثانية: أنواع المحضر.
المطلب الثاني: شروط وشكليات إنجاز المحاضر
الفقرة الأولى: التقيد بالاختصاص القانوني من طرف محرر المحضر.
الفقرة الثانية: احترام شكل المحضر القانوني.
الفقرة الثالثة: الالتزام بالوصف الموضوعي وفورية الإنجاز.
المبحث الثاني: الدفوع المثارة عند خرق شروط وشكليات المحضر.
المطلب الأول: الدفع ببطلان المحضر.
الفقرة الأولى: الدفع بانعدام حالة التلبس.
الفقرة الثانية: الدفع بعدم صحة إجراءات التفتيش.
الفقرة الثالثة: الدفع بعدم صحة إجراءات الوضع تحت الحراسة النظرية.
الفقرة الرابعة:الدفع بإنجاز المحاضر لانتزاع اعتراف تحت الإكراه والتعذيب.
المطلب الثانـي: الدفع بعدم توقيع المحضر.
الفقرة الأولى: الدفع بعدم توقيع المحضر من طرف محرره.
الفقرة الثانية: الدفع بعدم توقيع المحضر من طرف المشبوه فيه.
المطلب الثالـث: الدفع بعدم صحة ما ورد بالمحضر وإثبات ما يخالفه.
الفقرة الأولى: أنواع المحاضر من حيث قوتها الثبوتية.
الفقرة الثانيـة : إثبات عكس ما ورد بالمحضر والطعن فيه.
المبحث الأول : ماهية المحضر وشكليات إنجازه
لا أحد ينكر الاهتمام الواسع والكبير الذي حظيت وتحظى به محاضر الضابطة القضائية من جميع الفعاليات التي تعمل سواء في الحقل القانوني أو القضائي، وذلك لمساس هذه المحاضر بحقوق الأفراد وحرياتهم. وهذا ما حدا بالمشرع في قانون المسطرة الجنائية الجديد إلى تحديد ماهية المحضر ( المطلب الأول) وتنظيم شكله القانوني وشروط صحته (المطلب الثاني)، كل ذلك لتتوفر له الحجية القانونية المفترضة فيه .
المطلب الأول : تعريف المحضر وأنواعه
سنتناول في هذا المطلب تعريف المحضر( الفقرة الأولى ) وأنواع المحاضر ( الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى : تعريف المحضر
تعد محاضر الشرطة القضائية من بين أهم وسائل الإثبات في المادة الجنائية لما تحتويه من إعترافات و معاينات ووقائع و شهادات و تصريحات من شأنها أن تكشف للقاضي الجنائي اللبس عن القضية المعروضة عليه لتكوين قناعته الشخصية بناءا على السلطة التقديرية التي يتمتع بها لإصدار الأحكام المناسبة إما بالبراءة أو الإدانة . و تظهر أهميته ـ أكثر في كونه يشكل نقطة الإنطلاق و بداية سلسلة من الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية حيث تضاربت اراء الفقه و القضاء لوضع تعريف دقيق له .
و في تعريف لبعض الفقه لمحضر الضابطة القضائية أنه ذلك الصك الكتابي الذي ينظمه الموظف المختص لإثبات شكوى أو إشكالية أدليت إليه ، أو إنتهت إليه بمشاهدته المباشرة بالنسبة للجريمة التي وقعت . و عرفه جانب اخر من الفقه بأنه ورقة رسمية لا يمكن الطعن فيها إلا بحسب ما يقرره القانون ، ينجز من قبل موظف مختص هو ضابط أو عون الشرطة ، يضمنه ما عاينه من وقائع و أحداث ( أي الجريمة موضوع البحث و أطرافها و الأدلة التي تم التوصل إليها ) محترما في ذلك مجموعة من الشكليات .
و قد تدخل المشرع المغربي بموجب قانون المسطرة الجنائية الحالي متفاديا النقص الذي إعترى القانون الملغى ، حيث عرف المحضر في الفقرة الأولى من المادة 24 على أنه : ” المحضر في مفهوم المادة السابقة هو الوثيقة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه و يضمنها ما عاينه أو ماتلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لإختصتصه ” . و بهذا يكون المشرع المغربي قد فصل في الخلاف الذي كان مثارا بين الفقه حول وضع تعريف محدد لمحضر الضابطة القضائية .
الفقرة الثانية : أنواع المحاضر.
يمكن تقسيم المحاضر إلى تصنيفات ثلاثة : من حيث صفة محرريها أو نوع الجرائم التي تتضمنها أو من حيث قوتها الثبوتية .
1 ) من حيث صفة محرريها تنقسم إلى :
– محاضر ينجزها ضباط الشرطة القضائية في الحالة العادية المرتبطة بالبحث التمهيدي المنصوص عليها في المادة 23 من قانون المسطرة الجنائية وفي حالة التلبس وفق الشكليات المنصوص عليها في المواد من 59 إلى 79.
– محاضر يحررها أعوان الشرطة القضائية أو الموظفون والأعوان المنصوص عليهم في قوانين خاصة . مثال: مخالفات لقانون الصيد والقنص. مخالفات لقانون السير والجولان. مخالفات متعلقة بالغش في البضائع و غيرها .
– محاضر ينجزها موظفون وأعوان مكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية مثال: مهندسو أو مأمورو المياه والغابات. ف 26 م ج.
2 ) من حيث الجرائم التي تتضمنها نجد:
– محاضر جنايات .
– محاضر الجنح الضبطية والتأديبية .
– ومحاضر المخالفات .
3 ) من حيث قوتها الثبوتية تنقسم إلى :
– محاضر يوثق بمضمنها إلى أن يثبت ما يخالفها ( ف 290 م ج).
– محاضر لا يطعن فيها إلا بادعاء الزور(فصل 292 م ج).
– محاضر لا تعتبر إلا مجرد بيان ( فصل 291 م ج)
المطلب الثاني : شروط وشكليات انجاز المحاضر :
باستقراء لمختلف نصوص المسطرة الجنائية يتضح جليا أن المشرع حدد شروطا وشكليات يجب على محرر المحضر الالتزام بها حتى يكون المحضر صحيحا.
ويمكن إجمال هذه الشروط في ثلاث نقط :
– التقيد بالاختصاص القانوني من طرف محرره ( الفقرة الأولى ) .
– احترام شكله القانوني ( الفقرة الثانية ) .
– الالتزام بالوصف الموضوعي وفورية الإنجاز( الفقرة الثالثة ) .
الفقرة الأولى : التقيد بالاختصاص القانوني لمحرر المحضر
التقيد بالاختصاص القانوني يستلزم بالضرورة أن يكون محرر المحضر ضابطا للشرطة القضائية فهذا الأخير هو وحده المؤهل لتحرير المحاضر. وقد أكد المشرع في المادة 23 من الم.الج. على ضرورة الإشارة في المحضر إلى اتسام محرره بصفة ضابط الشرطة القضائية وإلا انتفت عنه الصفة التي تخول له القيام بذلك. ويتعين إنجاز المحضر أثناء مزاولته لمهام الشرطة القضائية. كما أنه يقتضي أيضا مراعاة الاختصاص النوعي والمكاني لضابط الشرطة القضائية.
فالاختصاص النوعي قد يكون عاما كما هو الحال بالنسبة لضابط الشرطة الق. ولموظف الدرك الملكي أو وكيل الملك. فصلاحيتهم عامة ويمكنهم ضبط كل مخالفة للقانون وتحرير محضر بشأنها حتى في النوازل المقصورة على الموظفين أو الأعوان المكلفين ببعض مهام الضابطة القضائية ، وذلك في حالة غيبة هؤلاء الأخرين . أو إذا تعذر عليهم القيام بالمهام المنوطة بهم ( الفصل 34 و 45 من قانون المسطرة الجنائية ) ، العدل العسكري الذي يخول لضابط الشرطة القضائية المدني القيام بمهام ضابط الشرطة القضائية العسكري في حالة غياب هذا الأخير). وقد يكون الاختصاص النوعي خاصا أي محصورا في نطاق معين لا ينبغي تجاوزه كما هو الأمر بالنسبة لموظفي الجمارك والغابات، وأعوان المكتب الوطني للسكك الحديدية الذين منحت لهم هذه الصفة بمقتضى نصوص خاصة .
أما الاختصاص المكاني لضباط الشرطة القضائية فقد حدده الفصل 22 من قانون المسطرة الجنائية . في الحالة العادية بدوائر الاختصاص الإقليمي المحدد لهم حسب وظائفهم ، وإذا عاق أحدهم عائق فإن مندوب المقاطعة المجاورة يقوم مقامه ، إلا أن هذا الاختصاص يمتد استثنائيا خارج دائرة عمل ضباط الشرطة الأصلي في حالة الاستعجال أو بطلب من السلطة العمومية الفصل 22 من قانون المسطرة الجنائية على أن هناك نصوص أخرى تلزم ضباط الشرطة القضائية . بالتدخل في الحالات الاستعجالية ولو دون أمر من السلطة العمومية مثل المادة 40 من المرسوم المكون للنظام الأساسي الخاص بموظفي إدارة الأمن الوطني 23/12/75 والمادة 12 من قانون الدرك الملكي .
وعلاوة على الاختصاص المكاني الموسع في حالة الاستعجال، فالمشرع مدد اختصاصات مندوبي الشرطة العاملون بدائرة واحدة مقسمة إلى عدة مقاطعات إلى مجموع الدائرة التي يعملون بها مادة 22 م . ج .
ويمكن القول أيضا بأن قاعدة الاختصاص الترابي الثلاثي في الميدان الزجري تخول هذا الاختصاص لكل من ضابط الشرطة القضائية. الذي وقع في دائرة نفوذه الجرم وتلك التي يقيم فيها المجرم أو أحد شركائه وتلك التي تم فيها إلقاء القبض عليه أو على أحد هؤلاء. ولو كان ذلك من أجل ارتكاب جريمة أخرى.
فهذه إذن كلها احتياطات لسد الثغرات التي يمكن أن تلابس الاختصاص المكاني ليكتسي عمل ضابط الشرطة القضائية أقصى ما يمكن من الفعالية .
الفقرة الثانية : احترام شكل المحضر القانوني.
أول شيء يمكن الحديث عنه هو أن المحضر وثيقة مكتوبة – لذلك لا مجال للحديث عن المحاضر الشفوية أو المسجلة بوسيلة مرئية أو صوتية. بل أكثر من ذلك نجد بعض النصوص الخاصة تلزم تحرير المحضر وكتابته بخط اليد (المادة 60 من ظهير10/10/1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها ) .
والأصل أن يتم تحرير المحضر باللغة العربية لأنها لغة المرافعات أمام المحاكم وهي اللغة الرسمية للبلاد.
كما يجب تضمين المحضر البيانات التالية كما حددتها المادة 24 م.ج :
– اسم محرر المحضر إذ لا قيمة لمحضر يجهل محرره لما ينتج عن ذلك من غياب المراقبة القضائية في حالة جهل اسم محرر المحضر.
– صفة محرر المحضر، فالصفة هي التي تمكن من التأكيد من توفره على صفة ضابط الشرطة القضائية ويشار إلى ذلك مثال :
– نحن الرقيب الأول فلان ضابطا للشرطة القضائية .
– مكان عمل محرر المحضر أي الإشارة إلى الوحدة الإدارية الملحق بها كدائرة شرطة القضائية ، أو مركز الدرك الملكي .
– توقيع محرر المحضر أي توقيع ضابط الشرطة القضائية وليس مساعده كاتب المحضر وتتجلى أهمية التوقيع في تسهيل تحديد المسؤوليات فيما يتعلق باختصاص محرر المحضر.
– تاريخ وساعة إنجاز الإجراء ، ذلك أن الكثير من الإجراءات المسطرية محددة بالساعة كالحراسة النظرية وتفتيش المنازل، وللتاريخ أهمية في احتساب أجل التقادم.
وإذا تعلق الأمر بمحضر الاستماع إلى شخص سواء كان متهما أو مشتبها فيه أو شاهدا أو ضحية أو مجرد مصرح فيجب إدراج البيانات التالية :
– ضرورة إدراج هوية الشخص المستمع إليه بالمحضر ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء ، وتدون بمحضر الاستماع التصريحات التي يدلي بها المصرح والأجوبة التي يرد بها على أسئلة ضابط الشرطة القضائية ، وليس ضروريا تدوين الأسئلة نفسها. وينبغي إشعار المشتبه فيه بالأفعال المنسوبة إليه .
ويقرأ المصرح تصريحاته بنفسه أو تتم قراءتها عليه ويشار إلى ذلك بالمحضر. وإذا تم إدخال تغييرات أو إضافات أو ملاحظات على أقواله تدون أيضا بالمحضر أو يشار إلى عدم وجودها. كقوله مثلا : ” بعد أن تلا تصريحاته بنفسه أو تليت عليه تمسك بها ولم يبد أي ملاحظة بشأنها “.
وفي الأخير يوقع المصرح إلى جانب ضابط الشرطة القضائية على المحضر وعلى الإضافات ويدون اسمه بخط يده إلى جانب التوقيع وإذا كان لا يحسن الكتابة التوقيع يضع بصمته ويشار في المحضر إلى ذلك.
وفي حالة رفضه التوقيع أو الإبصام أو عجز عن ذلك فيشار إلى ذلك .
وفي حالة تحرير محضر الاستماع إلى شخص وضع تحت الحراسة النظرية فيجب تضمينه يوم وساعة ضبطه ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه إلى القاضي المختص ، كما تقضي بذلك المادة 67 م . ج .
إضافة إلى كل ما سبق يجب أن يتضمن المحضر البيانات التالية :
– تحديد طبيعة المحضر هل محضر تفتيش أو استجواب أو معاينة.
– تحديد الإجراء القانوني المنجز خلاله المحضر، هل بحث تمهيدي أم إنابة قضائية أم تلبس.
– في حالة الإنابة يذكر اسم القاضي المكلف بالتحقيق .
وإذا لم يحترم المحضر هاته الشروط أو بعضها فإنه يفقد قوته الثبوتية ويصبح مجرد معلومات غير ملزمة للقاضي المادة 291 من قانون المسطرة الجنائية .
وقد صرح في المادة 289 م.ج بأنه : ” لا يعتد بالمحاضر والتقارير التي يحررها ضباط وأعوان ش.ق إلا إذا كانت صحيحة في الشكل وضمن فيها محررها وهو يمارس مهام وظيفته، ما عاينه وتلقاه شخصيا في مجال اختصاصه”، وقد أكد ذلك قرار لمحكمة الاستيناف بالرباط بقوله:” إذا افتقرت المحاضر للشكليات الأساسية فإن مبدأ الاستيناف ينهار وتنعدم صلاحياته وتصبح غير قابلة للاطمئنان إليها واستخلاص قناعة على ضوئها. وإن القضاء بوصفه ضامنا للحقوق والحريات يثير ولو من تلقاء نفسه عدم صحة سلامة الإجراءات سيما عند الحرمان من الحرية ” .
الفقرة الثالثة : الالتزام بالوصف الموضوعي وفورية الانجاز.
يتجلى الالتزام بالوصف الموضوعي في ضرورة تضمين المحضر ما عاينه الضابط بنفسه أو ما تلقاه من تصريحات وكذلك العمليات التي قام بها أثناء مزاولته لمهامه دون إبداء وجهة نظره، بحيث يكتفي باستعراض الوقائع دون تكييفها قانونيا لأن هذا ليس من اختصاصه. بل من اختصاص القضاء، غير أنه إذا تضمن المحضر إضافة من هذا النوع فهي تعتبر والعدم سواء. ولا تؤثر على صحة المحضر ولا تلزم أبدا الجهات القضائية.
ويجب أن يكون المحضر دقيقا وواضحا طبقا للفصل 73 من قانون الدرك الملكي الذي ينص: ” يجب أن يكون إنشاء المحاضر واضحا دقيقا و أن يكون عبارة عن بيان للوقائع مجردا من كل حادث أو تأويل خارج عن الموضوع ، وينبغي أن تشتمل المحاضر على جميع الإرشادات التي من شأنها أن ترشد السلطة المخصصة إليها المحاضر عن هوية الأشخاص الذين سجلت تصريحاتهم وعن مستوى ثقافتهم وتضمن في آخر المحضر أوصاف الأشخاص المعتقلين وعند الاقتضاء حالتهم العسكرية ” ، كما يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يكتب المحضر بأقصى ما يمكن من السرعة في حالة التلبس تنفيذا للمواد من57 إلى67 من قانون المسطرة الجنائية وأن يوقع على كل ورقة من أوراقه ( مادة 69 م.ج ).
المبحث الثاني : الدفوع المثارة عند خرق شروط وشكليات المحضر
تعتبر محاضر الضابطة القضائية من أهم وسائل الإثبات المعتمدة من طرف القضاء الزجري في التكييف وإصدار العقوبة . لذلك أحاط المشرع تحرير المحاضر بمجموعة من الشروط والشكليات التي يتعين احترامها من طرف محرريها والتي سبقت الإشارة إليها أعلاه، والتي تشكل ضمانات لحقوق وحريات المشتبه بهم ، وذلك بالموازاة مع الآليات المسخرة بيد ضابط الشرطة القضائية خلال ممارستهم لمهامهم.
لكن ما القول في حال الإخلال بتلك الشكليات ؟ أي هل هناك جزاء قانوني يترتب عن خرق هذه الضمانات المسطرية ؟
هذا ما سنوضحه من خلال مناقشتنا لأهم الدفوع بخرق شروط وشكليات المحاضر قصد القول ببطلانها وبالتالي استبعادها ( المطلب الأول ) ، إلا أنه ليست كل الشروط إلزامية ويترتب عن إغفالها بطلان المحضر كالدفع بعدم توقيع المحضر(المطلب الثاني) ، أو الطعن في قوة المحاضر الثبوتية من خلال الدفع بعدم صحة ماورد في المحاضر وإثبات مايخالفها ( المطلب الثالث).
المطلب الأول: الدفع ببطلان المحضر
يعتبر المحضر دليلا محصلا عليه نتيجة للإجراءات التي يقوم بها ضباط الش. الق. هذه الإجراءات من ضبط في حالة تلبس ووضع تحت الحراسة وتفتيش المنازل كما سبقت الإشارة محكومة بشروط يتعين احترامها من طرف القائمين بها. فإذا تم الإخلال بهذه الشكليات فهل يترتب على ذلك البطلان؟ سنحاول معرفة ذلك من خلال الفقرات التالية .
الفقرة الأولى : الدفع بانعدام حالة التلبس
يثار الاحتجاج أو الدفع بانعدام حالة التلبس المنصوص عليه في المادة 56 م.ج، إما على أساس توسع ضابط ش.ق. في تفسير التلبس الذي يخوله الصلاحيات الاستثنائية المنصوص عليها في الفصول 59 إلى 72 م.ج. بدل الصلاحيات المنصوص عليها في المواد 78 إلى 82 م.ج. أو أن الشخص لم يضبط في أي حالة من حالات التلبس أو أن الشخص الذي قام بضبطه ليست له صفة ضابط شرطة قضائية ، كما إذا كان مجرد عون شرطة أو شخص عادي أو أن ضابط الشرطة عاين حالة التلبس بطريقة غير مشروعة .
فالمحضر المنجز في حالة التلبس دون الإشارة فيه إلى صفة الضابط و لا إلى توقيعه يعتبر باطلا و يترتب عنه انعدام حالة التلبس القانوني. ونفس الشيء بالنسبة للمحضر المنجز من طرف ضابط الشرطة القضائية الذي يقوم بأي إجراء من الإجراءات الناتجة عن حالة التلبس من ضبط وحجز وتفتيش ووضع تحت الحراسة النظرية دون إذن من السلطة المختصة ودون سبق وجود معالم الجريمة ، فإذا عثر على مواد ممنوعة وأنجز على إثرها محضرا فإن هذا المحضر يكون باطلا ذلك أن حالة التلبس التي تسمح بالتفتيش دون إذن يجب أن تتحقق قبل اكتشاف المواد الممنوعة لا بعد اكتشافها.
ويطبق نفس الحكم في حالة التجاوز أو التعسف في الصلاحيات المخولة لضباط الشرطة القضائية أو في حال اكتشاف التلبس بطريقة تنافي الأخلاق والآداب العامة .
كما إذا قام ضابط الشرطة بتفتيش منزل بحثا عن بقرة مسروقة ولما دخل أخذ يبحث في الدواليب والحقائب المتعلقة بصاحب المنزل فوجد بها مخدرات فاكتشافه لهذه الجريمة لا يضفي عليها صفة التلبس ، لأن تفتيشه غير مشروع .
إذن عدم الالتزام بالمشروعية في ضبط التلبس يترتب عنه انعدام حالة التلبس الذي ينتج عنه بالتبعية بطلان المحضر لإخلاله بشرط شكلي جوهري فيه يتمثل في التزام المشروعية في إنجازه ، كما يترتب البطلان على جميع الإجراءات الموالية من محضر التفتيش مع الحجز وعدم قانونية الوضع تحت الحراسة النظرية إضافة إلى المساءلة الجنائية لمحرر المحضر.
الفقرة الثانية : الدفع بعدم صحة اجراءات التفتيش.
رتب المشرع عن الإخلال بأحكام التفتيش البطلان . وواضح أن بطلان التفتيش يترتب عنه بطلان الدليل المحصل عليه، أي المحضر. فمحضر التفتيش المنجز بناء على مقتضيات الفصل 59 م.ج. في غير حالة التلبس يعتبر باطلا ويستبعد، لأنه لابد من توفر الموافقة الصريحة بخط المعني بالأمر صاحب المنزل أو الإشارة إلى موافقته إذا كان لا يحسن الكتابة كما تقضي بذلك المادة 79 م.ج. وكذا إذا لم يتخذ ضابط ش.ق. التدابير اللازمة لاحترام السر المهني ( م 59 م.ج ) أو إذا لم يخبر الأشخاص المنصوص عليهم في المادة 60 م.ج ، أو إذا أجري التفتيش خارج الوقت القانوني ( م 62 م.ج ).
وتستبعد مع المحضر الباطل الأشياء المحجوزة بهذه الكيفية من محضر البحث التمهيدي ككل دون بقية الإجراءات التي تبقى صحيحة. والتي لم تترتب عن الإجراء الباطل وخاصة محضر استجواب المشبوه فيه الذي لا تعتبر حالات التلبس شرطا شكليا لصحته وكذلك الحراسة النظرية حيث يجوز للمحكمة الأخذ بها. وفي هذا الاتجاه قضت محكمة النقض المصرية بقولها: ” بطلان التفتيش لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها التفتيش ” .
وأخيرا تجدر الإشارة إلى الدفع ببطلان محضر التفتيش هو من الدفوع الشكلية التي يتعين إثارتها قبل كل دفع أو دفاع ، ومن الطرف الذي يدعي مساس الإجراء بحرمة مسكنه أو شخصه .
الفقرة الثالثة : الدفع بعدم صحة اجراءات الوضع تحت الحراسة.
لقد التزم المشرع الصمت بخصوص الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية ولم يرتب البطلان على ذلك كما فعل بالنسبة لخرق شكليات التفتيش وهو ما يثير مشكلة المحاضر المحررة خلال فترة الحراسة وما تتضمنه من تصريحات ومعاينات وتحريات.
هذا الصمت فتح الباب لتضارب الآراء وقيام الخلاف بين الفقه والقضاء.
فقد أجمع الفقه على أن إغفال المشرع لبيان الجزاء على الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة لا يحول دون ترتيب البطلان سواء كان التجاوز من الضابط أو بناء على تمديد غير قانوني. وذلك عملا بمقتضيات المادة 751 ق.م.ج. الذي ينص على أن كل إجراء يأمر به قانون المسطرة الجنائية ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأن لم ينجز، فإذا بطل هذا الإجراء فإن الأدلة التي تم تحصيلها بسببه تبطل عملا بالقاعدة : ” ما بني على الباطل باطل ” .
وهذا الموقف يؤيده قرار غرفة الجنايات لدى محكمة الاستيناف بالرباط المؤرخ في فاتح يوليوز 1982 والذي تضمن في حيثياته:” أن مدة الحراسة النظرية استغرقت 255 ساعة وهو ما يتنافى مع مقتضيات الفصلين 68 و 82 من ق.م.ج.التي تحدد زمن الحراسة النظرية في 96 ساعة وبالتالي يترتب عنه وفق ما ينص عليه الفصل 765 ق.م.ج. كأنه لم ينجز لأنه إجراء لم يثبت إنجازه على الوجه الذي يفرضه القانون يجب إذن استبعاد محضر استماع المتهم.”
وتارة يقرر العكس ويعتبر الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة أمر جائز
ويؤكد في قرارات عدة مبدأ واحدا عبر عنه كالآتي : ” ومن جهة أخرى فإن القواعد المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية لم يجعلها القانون تحت طائلة البطلان ، وعليه فلا يمكن أن يترتب عنها البطلان إلا إذا ثبت أن عدم مراعاتها جعل البحث عن الحقيقة وإثباتها مشوبين بعيوب في الجوهر” .
الفقرة الرابعة : الدفع بانجاز محاضر لانتزاع اعتراف تحت الاكراه و التعذيب
كما سبق وأن قلنا فضابط الشرطة القضائية ملزم باحترام القواعد المنصوص عليها في قواعد المسطرة الجنائية المتعلقة بالبحث وجمع الأدلة والحجج . فالحجة يجب أن تحضر بكيفية مشروعة فلا يمكن استعمال وسائل غير مشروعة للحصول على حجة ضد شخص معين كاستعمال الإكراه والعنف لانتزاع اعترافه.
فالمشرع المغربي على غرار المواثيق والمعاهدات الدولية يحرم كل أشكال التعذيب ويعاقبه وكنتيجة لذلك فإذا تبث للمحكمة أن التصريحات المدلى بها سواء من المتهم أو الشاهد قد تم تحصيلها نتيجة لاستعمال التعذيب أو الإكراه فيتعين استبعاد المحضر المتضمن لتلك التصريحات لأنها تشكل إخلالا بمشروعية الدليل. وقد كان المشرع المصري سباقا إلى تقرير ذلك صراحة في المادة 32 من قانون الإجراءات ، ” يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته ، ومع ذلك لا يجوز له أن يبني حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه في الجلسة. وكل قول يثبت أنه صدر عن أحد المتهمين أو الشهود تحت وطأة الإكراه أو التهديد يهدر ولا يعول عليه ” .
وقد خطى المشرع خطوة هامة في هذا الصدد حينما نص في المادة 293 من قانون المسطرة الجنائية على ضرورة تقيد القاضي في حكم الإدانة بمشروعية الدليل ، و اعتماده على الأدلة المطروحة أمامه شرط أن يكون لها أصل في أوراق الدعوى ( مادة 287 ق.م.ج.)
كما يحسب له تنصيصه في المادة 73 م.ج على إمكانية طلب دفاع المشتبه به إجراء فحص طبي على هذا الأخير لكشف آثار العنف والتعذيب .
وقد ذهب المجلس الأعلى في قرار له مذهب محكمة الموضوع حين قررت استبعاد المحضر بعدما ثبت لها أن الاعتراف جاء وليد الإكراه و التعذيب معتبرا بأن ذلك يدخل ضمن السلطة التقديرية لقاضي الموضوع .
إلا أنه ورغم المقتضيات التي تعاقب وتحرم كل أشكال التعذيب فإنه لازال يمارس بشكل واضح بل أكثر من ذلك نجد ضباط الشرطة القضائية يتفننون في إيجاد أساليب للضغط والإكراه أو التعذيب دون ترك علامات ( التعذيب النظيف la torture propre) والملاحظ أيضا أن القضاة غالبا ما يصرفون النظر عن تمسك المتهمين بأنهم كانوا عرضة للتعذيب .
المطلب الثاني: الدفع بعدم توقيع المحضر
يثار هذا الدفع بعدم توقيع المحضر من طرف محرره ( الفقرة الأولى) أو من طرف المشبوه فيه (الفقرة الثانية) .
الفقرة الاولى : الدفع بعدم توقيع المحضر من طرف محرره
لم يرتب الفصل 69 م.ج. أي جزاء على عدم توقيع أوراق المحضر. وبالتالي فقد ذهب الأستاذان محمد الشتوي وميلود غلاب إلى القول بأنه متى توافرت جميع الشروط الشكلية الأخرى المتطلبة لإنجاز المحضر ووقعت بعض صفحاته دون الباقي وكانت منسجمة فيما بينها ولا تعارض فيما فإنه لا ضرورة لإبطالالمحضر.
نصت المادة 69 م.ج على ضرورة توقيع كل ورقة من أوراق المحضر، إلا أنه لم يتم التنصيص على ذلك في الحالة العادية ، لكن بالرجوع إلى المادة 23 م.ج التي تنص على وجوب توجيه أصل المحاضر إلى النيابة العامة مرفقة بنسختين مشهود بمطابقتهما للأصل…
ومعلوم أن الإشهاد على المطابقة للأصل لا يتحقق إلا بالتوقيع على الوثيقتين معا الأصلية والنسخة المأخوذة عنها. وهذا ينطبق أيضا على المحاضر المنجزة من طرف باقي الأعوان والموظفون في حدود اختصاصاتهم.
الفقرة الثانية : الدفع بعدم توقيع المحضر من طرف المشبوه فيه.
هل يعتبر التوقيع على محضر الاستجواب شرطا شكليا لصحته ؟
لم يجعل المشرع التوقيع شرطا شكليا لصحته وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا و المحكمة النقض حاليا على أن : ” عدم إمضاء المشبوه فيه على محضر استجوابه لا يعتبر من الشروط الشكلية التي تؤثر على قانونية المحضر وعلى قوته الثبوتية ” .
لم يرتب المشرع البطلان على عدم إمضاء المحضر من طرف المشبوه فيه وإنما الذي يوقع عليه هو ضابط الشرطة القضائية الذي يعد آنذاك شاهدا على صدور تصريحات شفوية عن المشتبه فيه باعتبارها من الوقائع التي حدثت أمامه وهو يزاول مهام وظيفته و بالتالي لا يقبل نفي صدور تلك التصريحات عن المشتبه فيه إلا عن طريق إثبات الزور. وقد جاء في نفس القرار أعلاه : ” إن الفصل 292من قانون المسطرة الجنائية المستدل به لا يشترط لصحة المحضر من الناحية الشكلية والمعتمد في الإثبات، أن يكون ممضى عليه من طرف المتهم، وإنما كل ما يتطلبه في هذا الصدد هو أن يضمن فيه محرره وهو يزاول مهام وظيفته ما عاينه شخصيا في شأن الأمور الراجعة إلى اختصاصه.”
ونفس الشيء يقال بالنسبة للمحاضر المحررة من طرف موظفي المياه والغابات. إلا أن هذا الاتجاه يشكل خرقا خطيرا لضمانة قانونية تحمي المصرح تتمثل في ضرورة احترام شكليات المحضر (المادة 292 م.ج ) لهذا ذهب بعض الفقهاء إلى القول باعتبار التصريح غير الموقع عليه كأنه لم يصدر عن الشخص المنسوب إليه هذا التصريح ولهذا أيضا ذهبت المادة 289 م.ج إلى تقليص الحجة الإثباتية للمحاضر .
إلا أن الفصل 243 من مدونة الجمارك يقضي بخلاف ذلك إذ نص على بطلان محاضر الجمارك التي لم يوقعها مرتكب الجنحة أو رفض التوقيع عليها.
أما محضر الاستماع لأي شخص وضع تحت الحراسة النظرية حسب المادة 67 م ج المتعلقة ببيان تاريخ الوضع تحت الحراسة وتاريخ إطلاق سراحه … يبقى صحيحا من الناحية الشكلية ولو لم يتضمن توقيع الموضوع تحت الحراسة أو الإشارة إلى رفضه التوقيع وعلى من يدعي العكس إثبات ادعائه.
كما أن محاضر الاستماع التي تتضمن اعترفا بجريمة الفساد أو الخيانة الزوجية إذا أمضاه المشبوه فيه اعتبر اعترافا مكتوبا صادرا عن المتهم وأمكن اعتماده وسيلة إثبات للجريمة طبقا للفصل 493 القانون الجنائي أما إذا لم يوقع عليه فإنه يتعين استبعاده نهائيا ، لأنه يشكل تصريحا أو اعترافا غير قضائي وكلاهما غير صالح لإثبات الجريمة السالفتين الذكر .
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 67 م.ج وغيرها تشير إلى التوقيع على المحضر أو وضع البصمة عليه. فهل يعني هذا أن للبصمة نفس الحجية التي للتوقيع ؟ خاصة إذا علمنا بأن كثير من المتهمين يصرحون أنه تم إرغامهم على الإبصام بعدما رفضوا التوقيع على المحضر.
وفي الأخير يثار التساؤل أيضا عل حكم امتناع المشبوه عن توقيع محضر استجوابه إذ نجد المادة 67 من قانون المسطرة الجنائية تشير إلى ضرورة تضمين المحضر إمضاء المعني بالأمر أو الإشارة إلى رفضه الإمضاء. فهل هذه الإشارة إلى رفض الإمضاء تعتبر بمثابة التوقيع ؟
المطلب الثالث : الدفع بعد صحة ما ورد بالمحضر واثبات ما يخالفه :
سبقت الإشارة إلى أن المحاضر تنقسم من ناحية قوتها الثبوتية إلى ثلاثة أنواع ونظرا لأن هذه المحاضر تعد وثائق رسمية صادرة عن غير المتهم يثار الطعن في صحة ماورد فيها في شكل دفوع شكلية ببطلان المسطرة لإخلال مسطري في إنجازها. كما تقضي بذلك المادة 289 م.ج. التي تعلق قوة الإثبات بالنسبة للمحاضر على توافر شرطين أساسين :
1 ـ أن يكون المحضر صحيحا في الشكل أي صادر عن الموظف المتصف بصفة ضابط الشرطة القضائية حسب ما تقضي به المادة 23 م.ج . التي تلزمه أن يشير في المحضر إلى أن له هذه الصفة .
2 ـ أن يحترم القواعد المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية إذ يجب الالتزام بمشروعية الحجة المنصوص عليها في المادة 751 م.ج.
وعليه سنعرض أولا لأنواع المحاضر من حيث قوتها الثبوتية ( الفقرة الأولى) لنخلص إلى الوسائل لإثبات عكس ما ورد بالمحضر والطعن فيه ؟ من خلال ( الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: أنواع المحاضر من حيث قوتها الثبوتية
تطرق المشرع في المواد 290-291 و 292 م.ج لأنواع المحاضر من حيث قوتها الثبوتية وجعلها ثلاثة :
1- محاضر يوثق بمضمنها ما لم يثبت ما يخالفها بأي وسيلة من وسائل الإثبات ( م 290 م.ج) كشهادة الشهود أو إجراء خبرة أو بقرائن قوية كالتناقضات الوردة بالمحاضر في مختلف أجزائها .
وقد ذهب المجلس الأعلى إلى إتاحة الفرصة لاستعمال أي دليل مقنع لإثبات عكس ماورد بالمحضر وذلك لكون القاعدة العامة في القضاء الزجري هي حرية القاضي في الاقتناع .
ونظرا لأهمية هذا القرار سنورده كاملا إذ جاء فيه: ” أن المحضر المستوفي لما يشترطه القانون يقوم حجة لا يمكن دحضها إلا بقيام الدليل القاطع على مخالفتها للواقع بواسطة حجة تماثلها في قوة الإثبات كشهادة الشهود أو تقارير الخبراء أو ما شابه ذلك من الوثائق الموثوق بصحتها قانونا وعليه فمجرد الادعاءات الخالية من أية برهان لا يصوغ بأية حال اعتبارها حجة مضادة.” .
ونفس هذا المبدأ نصت عليه نصوص متفرقة في قوانين خاصة نذكر منها:
– الفصل 20 من ظهير رقم 110. 60. 1 بشأن المحافظة على السكك الحديدية وأمنها ومراقبتها واستغلالها.
– الفصل 16 من ظهير 19/01/1953 المتعلق بالمحافظة على الطرق العمومية ومراقبة السير والجولان .
– الفصل 20 من ظهير 5/10/1984 المتعلق بالزجر على الغش في البضائع.
– الفصل 76 من ظهير 12/11/1932 المتعلق بتنظيم التبغ في المغرب .
– الفصل 66 من ظهير 10/10/1917 بشأن المياه والغابات .
2- محاضر وتقارير يحررها موظفون أو أعوان لا يمكن إثبات عكسها إلا بالطعن فيها بالزور.
( المادة 292 م. ج ) تحت طائلة البطلان عن الإخلال بذلك إذ لا يحق للمحكمة أن تستبعد المحضر اعتمادا على شهادة الشهود أو القرائن أو الخبرة لأن لهذه المحاضر حجية قاطعة. إلا أنه يجب أن ينص القانون صراحة على ذلك. فالنصوص القانونية هي التي تحدد طبيعة المحاضر.
وقد أعطى القانون هذه الحجية لهذه المحاضر لما لها من صبغة مالية واقتصادية من شأنها المس بذمة الدولة المالية من جهة، ولكون أثر تلك الجرائم يندثر بمجرد القيام بها أو لاستحالة الحصول على شهود لإثبات الوقائع.
ومثال هذه المحاضر ما نصت عليه المادة 242 من مدونة الجمارك والضرائب التي أكدت على صحة المحاضر التي يحررها عونان أو أكثر من الإدارة بشأن مخالفة مقتضيات النظام الجمركي ونفس الحجية لمحاضر أعوان إدارة المياه والغابات . وأيضا الفصل 71 من ق الدرك الملكي 14/1/58 الذي يقضي ” المحاضر يوثق بمضمنها أمام القضاء إلى أن يطعن فيها بالزور. إذا كانت تتعلق بالجرائم الجمركية والصيد البحري” وهو ما أكده المجلس الأعلى في قرار الغرفة الجنائية عدد 87 سنة 15 مؤرخ ب 11/ 11/ 1971 والذي جاء فيه : ” أن المحاضر التي تحرر من طرف شخصين على الأقل من رجال الجمارك في المسائل المالية يوثق بها إلى أن يدعي فيها بالزور…”.
خلاصة :
و من وجهة نظرنا نرى أن المتهم أو المشتبه فيه لا يرفض التوقيع كلما كان مضمون المحضر مطابق لما تلاه عليه المحرر اللهم إذا ظهر له أن ماهو مدون مخالف للواقع كتضمين الإعتراف بالجريمة المنتزع بالإكراه و التهديد ، و خيرا فعل المشرع المغربي حينما نص على إمكانية المحرر الإشارة إلى واقعة رفض التوقيع أو الإبصام على اعتبار هذا الرفض في الغالب ما يؤسس تبعا لتلقيف تهم غير واقعة أو إقحام بعض التصرفات التي تشكل ظرف التشديد في نظر القانون .
إن عمل الضابطة القضائية رهين بإحترام مجموعة من الضوابط التشريعية التي يصبو من خلالها المشرع المغربي تحقيق العدل و الأمن القانون في المجال الجنائي ، و لأن موضوع حساس كالجريمة يسوقنا أمام عقوبات سالبة للحرية و غرامات مالية و تدابير وقائية فإن قانون المسطرة الجنائية إعتراف للقاضي الزجري بسلطة تقديرية واسعة مع مكنة الحكم وفق إقتناعه الصميم دون التقيد بمضامين محاضر الشرطة القضائية و إن كانت تشكل حجر الزاوية في فك دهاليز الفعل الجرمي .
و القضاء المغربي تفعيلا منه لهذه الفلسفة القانونية لم يقبل في أكثر من مناسبة بالدفع ببطلان المحضر الذي ينقصه توقيع المتهم مبررا أن إلتزام هذا الأخير بالتوقيع من عدمه لا يؤدي إلى بطلان المحضر بل هو قرينة على تفاعله مع محتوى هذه الوثيقة لا غير .
ملاحظة مهمة :
من أجل التوصل بجديد المواضيع، مباشرة على البريدك الإلكتروني الخاص بك فور وضعها على الموقع، يمكنك وضع بريدك الإلكتروني في النشرة البريدية أسفل الصفحة أو الضغط على الجرس.
مرحبا بكل مشاركاتكم و استفساراتكم على الموقع، لا تترددو في التواصل معنا .