المحكمة الدستورية: التأليف والاختصاص والمسطرة

 المحكمة الدستورية: التأليف والاختصاص والمسطرة

 المحكمة الدستورية
محمد مغطيري: طالب بماستر الصياغة القانونية و تقنيات التشريع بالمغرب، جامعة ابن زهر أكادير.

بعد مرور حوالي عقدين من الزمن إلا قليلا على إحداث المجلس الدستوري الذي عوض الغرفة الدستورية، جاءت المراجعة الدستورية لسنة 2011 لترتقي بجهاز مراقبة دستورية القوانين من المجلس الدستوري إلى محكمة دستورية تمارس إضافة إلى اختصاصات المسندة سابقا للمجلس الدستوري، اختصاصات أخرى على قدر كبير من الأهمية تتعلق بالمراقبة الدستورية، منها ما يعتبر توسيعا للاختصاصات الأصلية. فبعد ما كانت الرقابة التي يمارسها تقتصر على الرقابة السياسية الوقائية السابقة على صدور الأمر بتنفيذ القوانين، أضحت تجمع إلى الرقابة السياسية الرقابة القضائية التي تتيح إمكانية الدفع بعدم دستورية القانون بعد صدور الأمر بتنفيذه، أثناء النظر في نزاع معروض على القضاء، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، وهكذا الجمع بين أسلوبي الرقابة الدستورية السياسية والقضائية.

بإلقاء نظرة عن تطور هذه المؤسسة في السياق المغربي،  فيمكن الرجوع إلى ما قبل الدستور الأول لسنة 1962؛ أي إلى مشروع دستور 1908 الذي دستر مبدأ مراقبة دستورية القوانين من خلال “مجلس الشرفاء” الذي أُسند إليه القيام بمهمة مراقبة جميع الأعمال الصادرة عن مجلس الأمة. إلا أن وضع هذه الفكرة موضع التنفيذ لم يتحقق إلا مع الغرفة الدستورية المحدثة في حظيرة المجلس الأعلى بموجب الدستور الأول لسنة 1962، وهو ما تم تكريسه بعد ذلك في دستوري 1970 و1972. وقد تطورت هذه الممارسة واستوت بموجب دستور 1992، وذلك بإحداث المجلس الدستوري الهيئة المستقلة عن التنظيم القضائي العادي، وإضافة اختصاص البث في مطابقة القوانين العادية على إثر إحالة اختيارية من سلطات سياسية حددها الدستور، وهو ما تم تكريسه في دستور 1996. تم صارت المراقبة الدستورية أكثر نضجا واكتمل قوامها مع دستور 2011، وذلك بتوسيع مجالاتها لتشمل، إضافة إلى البث في دستورية القوانين التنظيمية والقوانين العادية والأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية، مراقبة دستورية الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والأنظمة الداخلية للمجالس المنظمة بموجب قوانين تنظيمية، وكذا بجمعها بين أسلوب الرقابة السياسية السابقة على صدور الأمر بتنفيذ القوانين والعمل بالأنظمة الداخلية وبين أسلوب الرقابة القضائية التي تتم بواسطة الدفع بعدم الدستورية الذي يثار أمام المحاكم أثناء النظر في قضية بشأن القانون الذي سيطبق في النزاع إذا كان القانون يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور.   

موضوع الدراسة هو المحكمة الدستورية تأليفها واختصاصاتها والمسطرة المتبعة أمامها، ثم الاضافات الجديدة التي جاءت بها، هو موضوع يحظى بأهمية بالغة نظرا لدورها الهام المتمثل أساسا في مراقبة دستورية القوانين، و كذا البث في المنازعات الانتخابية. ولعل الهدف من تسليط الضوء على هكذا موضوع هو تبيان تأليف هذا الجهاز  وطبيعة عمله ثم المسطرة المتبعة أمامه بالإضافة إلى معرفة اختصاصاته.

وعليه فإن الاشكالية التي تطرح هي حول تأليف المحكمة الدستورية بالمغرب و اختصاصاتها والمسطرة المتبعة أمامها؟

للإجابة عن هذه الاشكالية سنقسم الموضوع على النحو الآتي: 

الفرع الأول: تأليف وتنظيم المحكمة الدستورية

الفرع الثاني: اختصاصات المحكمة الدستورية والمسطرة المتبعة أمامها

الفرع الأول: تأليف وتنظيم المحكمة الدستورية

ينص الفصل 130 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، والمادة 1 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية على أن المحكمة الدستورية تتألف من اثنى عشر عضوا، يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد، يعين الملك نصفهم من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، وستة أعضاء الأخرين ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب، والنصف الأخر من مجلس المستشارين، وذلك من المترشحين الذين يقدمهم مكتب كل مجلس بعد التصويت بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس. يتم اختيار أعضاء المحكمة الدستورية من الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة، والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمسة عشر سنة، ويتم كل ثلاث سنوات تجديد كل فئة من أعضائها ،ويعين الملك رئيسها من بين الأعضاء الذين تتألف منهم.

توضع على أعضاء المحكمة الدستورية مجموعة من القيود بحيث يمنع عليهم الجمع بين عضويتهم في المحكمة ومهام أخرى، ويتعلق الأمر بالجمع بين عضوية المحكمة وعضوية الحكومة أو مجلس النواب أو مجلس المستشارين أو المجلس الأعلى للسلطة القضائية أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أو كل هيئة أو مؤسسة من المؤسسات أو الهيئات المنصوص عليها في الباب الثاني عشر من الدستور، كما أنه لا يجوز لأعضاء المحكمة ممارسة أي وظيفة عامة أو مهمة انتخابية أو أي شغل كان نظير مقابل إما في شركة أو في دولة أجنبية أو منظمة دولية أو منظمة دولية غير حكومية، كما لا يمكن لهم ممارسة أي مهنة حرة طيلة عضويتهم في المحكمة. ويتعهد أعضاء المحكمة الدستورية بواجب التحفظ، وبصفة عامة الامتناع عن كل ما من شأنه أن يمس باستقلالهم، ولا أن يتخذوا أي موقف علني أو الإدلاء بأي فتوى في القضايا التي سبق للمحكمة أن قضت فيها، كما أنه لا يجوز لهم أن يشغلوا داخل حزب سياسي أو نقابة أو هيئة ذات طابع سياسي أو نقابي كيفما كانت طبيعتها أو أي منصب مسؤول أو قيادي، أو أن يسمحوا بالإشارة إلى صفتهم كأعضاء بالمحكمة في أي وثيقة متعلقة بأي نشاط عمومي أو خاص. وفي حالة رغبة أحد أعضاء المحكمة في الترشح لمهمة عامة انتخابية أن يقدم استقالته قبل إيداع طلب ترشيحه، ولا تطبق هذه الاستقالة على المهام الانتخابية الداخلية في الجمعيات و الهيئات التي ليس لها طابع نقابي أو سياسي أو مهني.

هناك أربع حالات تنتهي فيها العضوية بالمحكمة الدستورية، ويتعلق الأمر إما بانتهاء المدة المحددة  لها، أو بوفاة العضو، أو بالاستقالة، أو بالإعفاء ويكون ذلك في حالة مزاولة نشاط يتنافى مع عضوية المحكمة أو فقدان التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، أو حدوث عجز بدني مستديم يمنعه من القيام بمزاولة مهامه، وأخيرا إذا ان هنا إخلال بالالتزامات العامة أو الخاصة. 

حينما تنتهي مدة عضوية أعضاء المحكمة الدستورية، فإنه يتم تعيين أو انتخاب أعضاء الذين سيحلون محلهم قبل تاريخ انتهاء المدة المذكورة بخمسة عشر يوما على الأقل. وبالنسبة لانتهاء عضوية أحد الأعضاء لأحد الأسباب التي سبق الاشارة لها، فإنه يتم تعيين من يخلفه خلال مدة خمسة عشر يوما من تبليغ الحالة إما إلى الملك إن كان أمر التعيين الخلف يرجع له، وإما إلى رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين في الحالات الأخرى.

   الفرع الثاني: اختصاصات المحكمة الدستورية والمسطرة المتبعة أمامها

تناط بالمحكمة الدستورية مجموعة من الاختصاصات لعل أبرزها المراقبة على دستورية القوانين، ويقصد بذلك أن المحكمة تتفحص مدى مطابقة النصوص التشريعية، والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان وبعض المؤسسات الدستورية، والالتزامات الدولية المحال عليها للنص الدستوري، وهذه المراقبة قد تكون قبلية أو لاحقة لدخول القانون حيز التنفيذ.

بالنسبة للمراقبة القبلية فقد تكون إلزامية أو اختيارية، وتكون إلزامية في بعض القوانين ويتعلق الأمر بالقوانين التنظيمية التي يجب أن تحال على المحكمة وجوبا بعد مصادقة البرلمان عليها، وقبل إصدار الأمر بتنفيذها، والأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الدستورية التي ينبغي إحالتها وجوبا قبل الشروع في تطبيقها. وإذا كانت هذه الحالات تستلزم الاحالة الالزامية على المحكمة فإن ما دون ذلك تكون فيه الاحالة اختيارية أي القوانين الأخرى العادية، وتكون هذه الاحالة قصد البث في مطابقتها للدستور.

أما المراقبة اللاحقة فالمحكمة الدستورية نظرا لكونها تنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون إذا ما أثير أثناء النظر في دعوى قائمة أمام القضاء، ودفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، تكون هذه المراقبة في البث في كل ملتمس حكومي يرمي إلى تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصاتها، وأيضا مراقبة صحة إجراءات مراجعة الدستور وإعلان نتائجها، كما تشمل صحة الانتخابات البرلمانية وعمليات الاستفتاء. 

بالنسبة للمسطرة المطبقة أمام المحكمة الدستورية، فإنه تتم احالة القانون إما بواسطة الملك أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء مجلس النواب، أو ثُلث أعضاء مجلس المستشارين قبل دخوله حيز التنفيذ، لتبث فيه المحكمة بدعوة من رئيسها، وإن حصل له عائق قام بذلك أكبر الأعضاء سنا من بين أقدمهم عضوية لاجتماع المحكمة، وتستمع إلى تقرير عضو من أعضائها يعينه الرئيس، وتكون المداولات بحضور تسعة أعضاء على الأقل، وتتخذ قراراتها بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين تتألف منهم، وإذا تعذر توفر هذا النصاب بعد دورتين للتصويت، وبعد المناقشة تتخذ المحكمة قراراتها بالأغلبية المطلقة لأعضائها، وفي حالت تعادل الأصوات يعتبر صوت الرئيس مرجحا. 

 مما ينبغي الاشارة إليه في الأخير أن المحكمة الدستورية تصدر قراراتها باسم الملك وطبقا للقانون وتكون جلساتها غير علنية ما لم ينص على خلاف ذلك، وتنشر بالجريدة الرسمية داخل أجل لا يزيد عن ثلاثين يوما من تاريخ صدورها.

ملاحظة مهمة :

من أجل التوصل بجديد المواضيع، مباشرة على البريدك الإلكتروني الخاص بك فور وضعها على الموقع، يمكنك وضع بريدك الإلكتروني في النشرة البريدية أسفل الصفحة أو الضغط على الجرس.

مرحبا بكل مشاركاتكم و استفساراتكم على الموقع، لا تترددو في التواصل معنا .

شاهد أيضاً

حالات عدم قبول الطعن بالنقض أمام محكمة النقض

نقدم لكم مقالا مهما، تحت عنوان”حالات عدم قبول الطعن بالنقض أمام محكمة النقض” من إعدد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *